اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (5)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ } الآية .

قال المبرد : أصل «المحادّة » الممانعة ، ومنه يقال للبواب : حداد ، وللممنوع الرزق : محدود{[55639]} .

وقال أبو مسلم الأصفهاني : «المحادّة » : مفاعلة من لفظ الحديدِ ، والمراد المقاتلة بالحديد ، سواء كان ذلك في الحقيقة ، أو كان منازعة شديدة شبيهة للخصومة بالحديد .

فصل في مناسبة الآية لما قبلها{[55640]}

لما ذكر المؤمنين الواقفين عند حدوده ذكر المحادّين المخالفين لها ، قال المفسرون : المُحادة : المُعَاداة والمخالفة في الحدود ، وهو كقوله تعالى : { ذلك بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ } [ الأنفال : 13 ] .

وقيل : يحادون الله ، أي : أولياء الله كما جاء في الخبر ، «مَنْ أهَانَ لِي وليًّا فقدْ بَارَزَني بالمُحاربةِ »{[55641]} .

قال الزجاج{[55642]} : المحادّة : أن تكون في حد يخالف حد صاحبك .

والضمير في قوله «يحادّون » يمكن أن يرجع إلى المُنافقين{[55643]} ، فإنهم كانوا يوادّون الكافرين ، ويظاهرونهم على النبي صلى الله عليه وسلم فأذلهم الله سبحانه وتعالى ، ويحتمل أن يرجع لجميع الكُفَّار ، فأعلم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم كبتوا ، أي خذلوا .

قال المبرد رحمه الله تعالى : كبت الله فلاناً ، أي : أذلّه ، والمردود بالذل يقال له مكبوت .

وقال أبو عبيدة والأخفش : أهلكوا .

وقال قتادة : خزوا كما خزي الذين من قبلهم{[55644]} .

وقال ابن زيد : عذبوا{[55645]} .

وقال السدي : لعنوا{[55646]} ، وقال الفراء : غيظوا يوم الخندق .

وقيل : يوم «بدر » .

وقيل معنى كبتوا : أي سيكبتون ، وهو بشارة من الله للمؤمنين بالنصر ، وأخرج الكلام بلفظ الماضي تقريباً{[55647]} للمخبر عنه .

وقيل : لغة مذحج{[55648]} .

ويحتمل أن يكون لتحقق وقوعه ، والمراد بالذين من قبلهم أعداء الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - { وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } فيمن حاد الله ورسوله من الذين من قبلهم فيما فعلنا بهم { وَلِلْكَافِرِينَ } بهذه الآيات { عَذَابٌ مُّهِينٌ } يذهب بعزّهم وكبرهم ، فبين تعالى أن عذاب المحاربين في الدنيا الذُّل والهوان ، وفي الآخرة العذاب الشديد{[55649]} .


[55639]:ينظر: الفخر الرازي 29/228.
[55640]:ينظر: القرطبي 17/187.
[55641]:أخرجه بهذا اللفظ القضاعي في "مسند الشهاب" (1456)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (8/318 - 319)، وابن أبي الدنيا في "كتاب الأولياء" رقم (1). والحديث أصله في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب... الخ". أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5602)، وله شاهد من حديث عائشة أخرجه أحمد (6/256)، والبزار (3621 – كشف)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/5)، والبيهقي في "الزهد" (693)، من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها. وعبد الواحد بن ميمون قال البخاري: منكر الحديث.
[55642]:ينظر: معاني القرآن 5/136.
[55643]:ينظر: الفخر الرازي 29/228، 229.
[55644]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/12) عن قادة، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/269)، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[55645]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/187)، عن ابن زيد.
[55646]:ينظر المصدر السابق.
[55647]:في أ: تقريعا.
[55648]:ينظر: القرطبي 17/187.
[55649]:الفخر الرازي 29/229.