ثم وعده اليسر والرخاء بعد الشدة ، وذلك أنه كان بمكة في شدة . فقال :{ فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } أي مع الشدة التي أنت فيها من جهاد المشركين يسراً ورخاءً بأن يظهرك عليه حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به ، { إن مع العسر يسرا } كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء . وقال الحسن لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبشروا ، قد جاءكم اليسر ، لن يغلب عسر يسرين " . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ، إنه لن يغلب عسر يسرين . قال المفسرون : ومعنى قوله : " لن يغلب عسر يسرين " أن الله تعالى كرر العسر بلفظ المعرفة واليسر بلفظ النكرة ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسماً معرفاً ، ثم أعادته كان الثاني هو الأول ، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته مثله صار اثنين ، وإذا أعادته معرفة فالثاني هو الأول ، كقولك : إذا كسبت درهماً أنفقت درهماً ، فالثاني غير الأول ، وإذا قلت : إذا كسبت درهماً فأنفق الدرهم ، فالثاني هو الأول ، فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف ، فكان عسراً واحداً ، واليسر مكرر بلفظ النكرة ، فكانا يسرين ، كأنه قال : فإن مع العسر يسراً ، إن مع ذلك العسر يسراً آخر . وقال أبو علي الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب النظم : تكلم الناس في قوله : " لن يغلب عسر يسرين " فلم يحصل منه غير قولهم : إن العسر معرفة واليسر نكرة ، فوجب أن يكون عسر واحد ويسران ، وهذا قول مدخول ، إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفاً إن مع الفارس سيفاً ، فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحداً والسيف اثنين ، فمجاز قوله : " لن يغلب عسر يسرين " أن الله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم وهو مقل مخف ، فكانت قريش تعيره بذلك ، حتى قالوا : إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالاً حتى تكون كأيسر أهل مكة ، فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ، فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره ، فعدد الله نعمه عليه في هذه السورة ، ووعده الغنى ، يسليه بذلك عما خامره من الغم ، فقال : { فإن مع العسر يسراً } مجازه : لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسراً في الدنيا عاجلاً ، ثم أنجزه ما وعده ، وفتح عليه القرى العربية ووسع عليه ذات يده ، حتى كان يعطي المئين من الإبل ، ويهب الهبات السنية ، ثم ابتدأ فضلاً آخر من أمر الآخرة ، فقال : إن مع العسر يسراً ، والدليل على ابتدائه : تعريه من الفاء والواو ، وهذا وعد لجميع المؤمنين ، ومجازه : إن مع العسر يسراً ، أي : إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسراً في الآخرة ، فربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الثانية . فقوله عليه السلام : " لن يغلب عسر يسرين " ، أي : لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة ، وإنما يغلب أحدهما ، وهو يسر الدنيا ، وأما يسر الآخرة فدائم غير زائل ، أي لا يجمعهما في الغلبة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " شهرا عيد لا ينقصان " أي لا يجتمعان في النقصان .
ثم أضاف - سبحانه - إلى هذه النعم الجليلة ، ما يدخل السرور على قلبه صلى الله عليه وسلم وما يبعث الأمل فى نفسه وفى نفوس أصحابه ، بأن بين لهم سنة من سننه التى لا تتخلف فقال : { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً } .
والفاء للإِفصاح ، ومع بمعنى بَعْد ، وأل فى العسر لاستغراق أنواع العسر المعروفة للمخاطبين . من فقر ، وضعف ، وقلة فى الوسائل التى تؤدي إلى إدراك المطلوب . والجملة الثانية مؤكدة ومقررة للجملة الأولى . والتنكير فى قوله { يسرا } للتفخيم .
والمعنى : إذا تقرر عندك ما أخبرنا به ، من شرح الصدر ، ووضع الوزر . ورفع الذكر . . فاعلم أنه ما من عسر إلا ويعقبه يسر ، وما من شدة إلا ويأتي بعدها الفرج ، وما من غم أو هم ، إلا وينكشف ، وتحل محله المسرة . . وما دام الأمر كذلك ، فتذرع أنت وأصحابك بالصبر ، واعتصموا بالتوكل على الله ، فإن العاقبة لكم .
ففى هاتين الآيتين ما فيهما من تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم ولأتباعه ، ومن وعد صادق بأن كل صعب يلين ، وكل شديد يهون ، وكل عسير يتيسر . متى صبر الإِنسان الصبر الجميل ، وتسلح بالعزيمة القوية ، وبالإِيمان العميق بقضاء الله - تعالى - وقدره .
وأكد - سبحانه - هاتين الآيتين ، لأن هذه القضية قد تكون موضع شك ، خصوصا بالنسبة لمن تكاثرت عليهم الهموم وألوان المتاعب ، فأراد الله - سبحانه - أن يؤكد للناس فى كل زمان ومكان ، أن اليسر يعقب العسر لا محالة ، والفرج يأتى بعد الضيق ، فعلى المؤمن أن يقابل المصائب بصبر جميل ، وبأمل كبير فى تيسير الله وفرجه ونصره .
وقال - سبحانه - { مَعَ العسر يُسْراً } ولم يقل بعد العسر يسرا ، للإِشعار بأن هذا اليسر ، ليس بعد العسر بزمن طويل ، وإنما هو سيأتي فى أعقابه بدون مهلة طويلة ، متى وطن الإِنسان نفسه على الصبر والأمل فى فرج الله - تعالى - .
وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين الآيتين بعض الآثار ، منها ما رواه ابن أبى حاتم ، عن عائد بن شريح قال : سمعت أنس بن مالك يقول : " كان النبى صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله حجر فقال : " لو جاء العسر فدخل في هذا الحجر ، لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " .
وعن الحسن قال : كانوا يقولون : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين .
وعن قتادة : ذكر لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه فقال : " لن يغلب عسر يسرين " ومعنى هذا أن العسر مُعَرَّف فى الحالين ، فهو مفرد ، واليسر مُنَكَّر فمتعدد ، ولهذا قال : " لن يغلب عسر يسرين " فالعسر الأول عين الثانى ، واليسر تعدد . .
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف تعلق قوله : { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً } ، كأنه قال : خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله ، فإن مع العسر الذى أنتم فيه يسرا .
فإن قلت : " إن مع " للصحبة ، فما معنى اصطحاب اليسر للعسر ؟ قلت : أراد أن الله يصيبهم بيسر بعد العسر الذى كانوا فيه بزمان قريب ، فقرب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر ، زيادة فى التسلية ، وتقوية القلوب .
فإن قلت : فما المراد باليسرين ؟ قلت : يجوز أن يراد بهما ما تيسر لهم من الفتوح فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ، وما تيسر لهم فى أيام الخلفاء . وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة .
فإن قلت : فما معنى هذا التنكير ؟ قلت التفخيم ، كأنه قال : إن مع العسر يسرا عظيما وأى يسر .
وقوله : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } أخبر تعالى أن مع العسر يوجَدُ اليسر ، ثم أكد هذا الخبر .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا حُميد بن حماد بن خَوَار أبو الجهم ، حدثنا عائذ بن شُريح قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا{[30216]} وحياله حجر ، فقال : " لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " ، فأنزل الله عز وجل : {[30217]} { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } {[30218]} .
ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن مَعْمَر ، عن حُميد بن حماد ، به ولفظه : " لو جاء العسر حتى يدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يخرجه " ثم قال : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } ثم قال البزار : لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح{[30219]} .
قلت : وقد قال فيه أبو حاتم الرازي : في حديثه ضعف ، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة ، عن رجل ، عن عبد الله بن مسعود موقوفا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا أبو قَطَن {[30220]} حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : كانوا يقولون : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن{[30221]} ثور ، عن مَعْمَر ، عن الحسن قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا مسرورًا فرحًا وهو يضحك ، وهو يقول : " لن يَغْلِب عُسْر يسرين ، لن يغلب عسر يسرين ، فإن{[30222]} مع العسر يسرًا ، إن مع العسر يسرًا " .
وكذا رواه من حديث عوف الأعرابي ويونس بن عبيد ، عن الحسن مرسلا{[30223]} .
وقال سعيد ، عن قتادة : ذُكِرَ لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال : " لن يغلب عسر يسرين " .
ومعنى هذا : أن العسر معرف في الحالين ، فهو مفرد ، واليسر منكر فتعدد ؛ ولهذا قال : " لن يغلب عسر يسرين " ، يعني قوله : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } فالعسر الأول عين{[30224]} الثاني واليسر تعدد .
وقال الحسن بن سفيان : حدثنا يزيد بن صالح ، حدثنا خارجة ، عن عباد بن كثير ، عن أبي الزناد ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نزل{[30225]} المعونة من السماء على قدر المؤونة ، ونزل الصبر على قدر المصيبة " {[30226]} .
ومما يروى عن الشافعي ، رضي الله عنه ، أنه قال :
صَبرا جَميلا ما أقرَبَ الفَرجا *** مَن رَاقَب الله في الأمور نَجَا
مَن صَدَق الله لَم يَنَلْه أذَى *** وَمَن رَجَاه يَكون حَيثُ رَجَا
وقال ابن دُرَيد : أنشدني أبو حاتم السجستاني :
إذا اشتملت على اليأس القلوبُ *** وضاق لما به الصدر الرحيبُ
وأوطأت المكاره واطمأنت *** وأرست في أماكنها الخطوبُ
ولم تر لانكشاف الضر وجها *** ولا أغنى بحيلته الأريبُ
أتاك على قُنوط منك غَوثٌ *** يمن به اللطيف المستجيبُ
وكل الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج القريب
قوله : فَإنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فإنّ مع الشدّة التي أنت فيها ، من جهاد هؤلاء المشركين ، ومِن أوّله : ما أنت بسبيله ، رجاءً وفرجا بأن يُظْفِرَك بهم ، حتى ينقادوا للحقّ الذي جئتهم به طوعا وكَرها .
ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن هذه الاَية لما نزلت ، بَشّر بها أصحابه وقال : «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ » . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت يونس ، قال : قال الحسن : لما نزلت هذه الاَية فَإنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أبْشِرُوا أتاكُمُ اليُسْرُ ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ » .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن يونس ، عن الحسن ، مثله ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فَرِحا وهو يضحك ، وهو يقول : «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ فَإنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَإنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا ذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر أصحابه بهذه الاَية ، فقال : «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد ، عن معاوية بن قرة أبي إياس ، عن رجل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لو دخل العسر في جُحْر ، لجاء اليسر حتى يدخل عليه ، لأن الله يقول : فَإنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن رجل ، عن عبد الله ، بنحوه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا قال : يتبع اليسرُ العُسرَ .
الفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري هنا ، أي إذا علمت هذا وتقرر ، تعلَمُ أن اليسر مصاحب للعسر ، وإذ كان اليسر نقيض العسر كانت مصاحبةُ اليسر للعسر مقتضيةً نقضَ تأثير العسر ومبطلة لعمله ، فهو كناية رمزية عن إدراك العناية الإلهية به فيما سبق ، وتعريض بالوعد باستمرار ذلك في كل أحواله .
وسياق الكلام وعد للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن يُيَسر اللَّهُ له المصاعب كلَّما عرضت له ، فاليسر لا يتخلف عن اللحاق بتلك المصاعب ، وذلك من خصائص كلمة { مع } الدالة على المصاحبة .
وكلمة { مع } هنا مستعملة في غير حقيقة معناها لأن العسر واليسر نقيضان فمقارنتهما معاً مستحيلة ، فتعين أن المعيّة مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول العسر أو ظهور بوادره ، بقرينة استحالة المعنى الحقيقي للمعية . وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى : { سيجعل اللَّه بعد عسر يسراً } في سورة الطلاق ( 7 ) .
فهذه الآية في عسر خاص يعرض للنبيء ، وآية سورة الطلاق عامة ، وللبعْدية فيها مراتب متفاوتة .
فالتعريف في { العسر } تعريف العهد ، أي العسر الذي عَهِدْتَه وعلمتَه وهو من قبيل ما يسميه نحاة الكوفة بأن ( ال ) فيه عوض عن المضاف إليه نحو قوله تعالى : { فإن الجنة هي المأوى } [ النازعات : 41 ] أي فإن مع عُسرك يسراً ، فتكون السورة كلها مقصورة على بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه تعالى .
وعد الله تعالى نبيئه صلى الله عليه وسلم بأن الله جعل الأمور العسرة عليه يسرة له وهو ما سبق وعده له بقوله : { ونيسرك لليسرى } [ الأعلى : 8 ] .
وحرف { إنْ } للاهتمام بالخبر .
وإنما لم يستغن بها عن الفاء كما يقول الشيخ عبد القاهر : ( إنَّ ) تغني غَناء فاء التسبب ، لأن الفاء هنا أريد بها الفصيحة مع التسبب فلو اقتصر عَلى حرف ( إنّ ) لفات معنى الفصيحة .
وتنكير { يسراً } للتعظيم ، أي مع العسر العارض لك تيسيراً عظيماً يغلب العسر ويجوز أن يكون هذا وعداً للنبيء صلى الله عليه وسلم ولأمته لأن ما يعرض له من عسر إنما يعرض له في شؤون دعوته للدين ولصالح المسلمين .
وروى ابن جرير عن يونس ومعمر عن الحَسَن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما نزلت هذه الآية : { فإن مع العسر يسراً } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبشروا أتاكم اليسر لن يغلب عسر يسرين " فاقتضى أن الآية غير خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل تعمّه وأمته . وفي « الموطإ » « أن أبا عبيدة بن الجراح كتب إلى عمر بن الخطاب يَذْكُر له جموعاً من الروم وما يُتخوف منهم فكتب إليه عمر : « أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجاً وإنه لن يغلب عسر يسرين » .
وروى ابن أبي حاتم والبزار في « مُسنده » عن عائذِ بن شريح قال : سمعت أنس بن مالك يقول : « كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وحياله حَجَر ، فقال : لو جاء العسر فدخل هذا الحَجَر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيُخرجه فأنزل الله عز وجل : { فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } . قال البزار : لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح قال ابن كثير : وقد قال أبو حاتم الرازي : في حديث عائذ بن شريح ضعف .
وروى ابن جرير مثله عن ابن مسعود موقوفاً ، ويجوز أن تكون جملة : { فإن مع العسر يسراً } معترضة بين جملة { ورفعنا لك ذكرك } [ الشرح : 4 ] وجملة : { فإذا فرغت فانصب } [ الشرح : 7 ] تنبيهاً على أن الله لطيف بعباده فقدر أن لا يخلو عسر من مخالطة يسر وأنه لولا ذلك لهلك الناس قال تعالى { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } [ النحل : 61 ] .
وروي عن ابن عباس : يقول الله تعالى خلقت عسراً واحداً وخلقت يسرين ولن يغلب عسر يسرين ا ه .