فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

{ العسر } الضيق .

{ يسرا } تيسيرا .

{ فإن مع العسر يسرا( 5 ) إن مع العسر يسرا( 6 ) } فإن مع الضيق تيسيرا ، ومع الكرب كشفا وتفريجا ؛ أو سعة وغنى ؛ والتكرير : إما لتوكيد الكلام ، كما في الآية الكريمة التي تكررت مرات في سورة الشعراء : { وإن ربك لهو العزيز الرحيم }{[11552]} ؛ وقال ثعلب : إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه فهو هو ؛ وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره ، وهما اثنان ، ليكون أقوى للأمل ، وأبعث على الصبر . اه يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : والصحيح أن يقال : إن الله بعث نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مقلا مخفا ، فعيره المشركون بفقره حتى قالوا له : نجمع لك مالا ؛ فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره ؛ فعزاه الله ، وعدد نعمه عليه ، ووعده الغنى بقوله : { فإن مع العسر يسرا } أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر ، فإن مع ذلك العسر يسرا عاجلا ، أي في الدنيا ، فأنجز له ما وعده ، فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن ، ووسع ذات يده ، حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل ، ويهب الهبات السنية ، ويعد لأهله قوت سنة ؛ فهذا الفضل كله من أمر الدنيا ، وإن كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء الله تعالى ؛ ثم بدأ فضلا آخر من الآخرة وفيه تأسية وتعزية له صلى الله عليه وسلم ؛ فقال مبتدئا : { إن مع العسر يسرا } فهو شيء آخر ؛ والدليل على ابتدائه ، تعريه من فاء أو واو أو غيرهما من حروف النسق التي تدل على العطف ؛ فهذا وعد عام لجميع المؤمنين لا يخرج أحد منه ؛ أي : إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة ؛ وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة . اه .


[11552]:- سورة الشعراء. الآية 9.