{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } أي مع الشدّة التي أنت فيها من جهاد المشركين ، ومزاولة ما أنت بسبيله يسراً ورخاءً بأن يظهرك عليهم ، حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به طوعاً وكرها .
{ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } كرّره لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء ، وقيل : فإن مع العسر يسراً : في الدنيا ، إن مع العسر يسراً : في الآخرة .
أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله قال : حدّثنا محمد بن عبد الله قال : حدّثنا عثمان قال : حدّثنا ابن عليّة ، عن يونس ، عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابشروا فقد جاءكم اليسر لن يغلب عُسْرٌ يُسرَين " .
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عمر بن الخطاب قال : حدّثنا علي بن مرداراد الخياط قال : حدّثنا قطن بن بشير قال : حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن رجل ، عن إبراهيم النخعي قال : قال ابن مسعود : والذي نفسي بيده ، لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ، إنّه لن يغلب عسرٌ يسرين ، إنّه لن يغلب عسر يسرين .
قال العلماء في معنى هذا الحديث : لأنه عرّف العسر ونكّر اليسر ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسماً معرفة ثم أعادته فهو هو ، وإذا نكرّته ثم كررته فهما اثنان ، وقال الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب كتاب [ النظم ] وهو يكلم الناس في قوله ( عليه السلام ) : " لن يغلب عسر يسرين " فلم يحصل غير قولهم : إن العسر معرفة واليسر نكرة مكررة ، فوجب أن يكون [ عسر ] واحد ويسران ، وهذا قول مدخول [ إذ ] لا يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إنّ مع الفارس سيفاً إنّ مع الفارس سيفاً أن يكون الفارس واحداً والسيف اثنين ، ولا يصح هذا في نظم العربية .
فمجاز قوله : " لن يغلب عسر يسرين " إن الله بعث نبيّه ( عليه السلام ) مقلاّ مخففاً فعيّره المشركون لفقره ، حتى قالوا أنجمع لك مالا ؟ فاغتمّ ، فظنّ أنهم كذّبوه لفقره ، فعزّاه الله سبحانه وتعالى وعدد عليه نعماءه ووعده الغنى فقال : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } إلى قوله { ذِكْرَكَ } ، فهذا ذكر امتنانه عليه ، ثم ابتدأ ما وعده من الغنى ليسلّبه مما خامر قلبه ، فقال { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } ، والدليل عليه دخول الفاء في قوله ( فإنّ ) ولا يدخل الفاء أبداً إلاّ في عطف أو جواب .
ومجازه : لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسراً في الدنيا عاجلا ، ثم أنجزه ما وعده وفتح عليه القرى العربية ، ووسّع ذات يده ، حتى يهب المائتين من الإبل ، ثم ابتدأ فضلا آخر من الآخرة فقال تأسيةً له : { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } ، والدليل على ابتدائه تعرّيه من الفاء والواو وحروف النسق فهذا عام لجميع المؤمنين ، ومجازه : إنّ مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسراً في الآخرة لا محالة ، فقوله : " لن يغلب عسر يسرين " أي لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعد الله المؤمنين في الدنيا ، واليسر الذي وعدهم في الآخرة ، إنما يُغلب أحدهما وهو يسر الدنيا ، فأمّا يسر الآخرة فدائم غير زايل ؛ أي لا يجمعهما في الغلبة ، كقوله ( عليه السلام ) : " شهرا عيد لا ينقصان " أي لا يجتمعان في النقصان .
وقال أبو بكر الوراق : مع [ أختها ] بالدنيا جزاء الجنة ، قال القاسم : [ بردا هذه السعادة من أسحار ] الدنيا إلى رضوان العقبى ، وقراءة العامة بتخفيف السينين ، وقرأ أبو جعفر وعيسى ، بضمهما ، وفي حرف عبد الله : إنّ مع العسر يسراً ، مرة واحدة غير مكررة .
أخبرني أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد الرمجاري وأبو الحسن علي بن محمد بن محمد البغدادي قالا : حدّثنا محمد بن يعقوب الأصم قال : حدّثنا أحمد بن شيبان الرملي قال : حدّثنا عبد الله بن ميمون القداح قال : حدّثنا شهاب بن خراش ، عن عبد الملك بن عمير ، " عن ابن عباس قال : أُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة ، أهداها له كسرى فركبها بحبل من شعر ، ثم أردفني خلفه ، ثم سار بي مليّاً ، ثم التفت اليّ فقال لي : " يا غلام " ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرّف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة ، وإذا سألتَ فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، قد مضى القلم بما هو كائن ، فلو جهد الخلائق أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك ، لما قدروا عليه ، ولو جهدوا أن يضرّوك بما لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل ، فإنّ لم تستطع فاصبر ، فإنّ في الصبر على ما يُكره خيراً كثيراً ، واعلم أنّ مع الصبر النصر ، وأنّ مع الكرب الفرج و { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } " .
وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن الحسن النيسابوري يقول : سمعت أبا علي محمد بن عامر البغدادي يقول : سمعت عبد العزيز بن يحيى يقول : سمعت عمي يقول : سمعت العتبي يقول : كنت ذات يوم في البادية بحالة من الغم فأُلقي في روعي بيت شعر فقلت :
أرى الموت لن أصبح ولاح *** مغموماً له أروح
فلمّا جنّ الليل سمعت هاتفاً يهتف ، من الهواء :
ألا يا أيّها المرءُ ال *** ذي الهمُّ به برّح
وقد أنشد بيتاً لم *** يزل في فكره يسنح
إذا اشتدّ بك العسر *** ففكّرْ في ألمْ نشرح
فعسرٌ بين يسرين *** إذا فكّرتها فافرح
قال : فحفظت الأبيات ، وفرّج الله غمّي .
وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو محمد أحمد بن محمد بن إسحاق الجيزنجي قال : أنشدنا إسحاق بن بهلول القاضي :
فلا تيأسْ وإن أُعسرت يوماً *** فقد أُيسرت في دهر طويلِ
ولا تظننّ بربك ظنّ سوء *** فإنّ الله أولى بالجميل
فإنّ العسرَ يتبعه يسارٌ *** وقول الله أصدق كلِّ قيل
وأنشدني أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدني محمد بن سليمان بن معاد الكرخي قال : أنشدنا أبو بكر الأنباري :
إذا بلغ العسر مجهوده *** فثق عند ذاك بيسر سريع
ألم تر بخس الشتاء القطيع *** يتلوه سعد الربيع البديع
إن يكنْ نالك الزمان ببلوى *** عظمت شدّةً عليك وجلّتْ
وتلتها قوارع باكيات *** سئمت دونها الحياة وملّت
فاصطبر وانتظر بلوغ مداها *** فالرزايا إذا توالت تولّت
وإذا أوهنت قواك وحلّت *** كُشفتْ عنك جملة فتخلّت
وقال آخر :إذا الحادثات بلغن المدى *** وكادت تذوب لهنّ المهجْ
وحلّ البلاء وقلّ الرجاء *** فعند التناهي يكون الفرجْ
وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد السلوسي قال : أنشدني أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي النسابة قال : أنشدني سليمان بن أحمد الرقي :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.