غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا} (5)

ثم إنهم كانوا يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر فقيل له : لا يحزنك قولهم { فإن مع العسر يسراً } أي بعد العسر الذي أنتم فيه يسر وأي يسر جعل الزمان القريب كالمتصل والمقارن زيادة في التسلية وقوة الرجاء . روى مقاتل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج ذات يوم وهو يضحك ويقول : لن يغلب عسر يسرين . فقال الفراء والزجاج : العسر مذكور بالألف واللام وليس هناك معهود سابق فينصرف إلى الحقيقة فيكون المراد بالعسر في الموضعين شيئاً واحداً ، وأما اليسر فإنه مذكور على سبيل التنكير فكان أحدهما غير الآخر ، وزيفه الجرجاني بأنه من المعلوم أن القائل إذا قال : إنّ مع الفارس سيفاً إن مع الفارس سيفاً . لم يلزم منه أن يكون هناك فارس واحد معه سيفان . وأقول : إذا كان المراد بالعسر الجنس لا العهد لزم اتحاد العسر في الصورتين . وأما اليسر فمنكر فإن حمل الكلام الثاني على التكرار مثل { فبأي آلاء ربكما تكذبان }

[ الرحمن :13 ] ونحوه كان اليسران واحداً . وإن حمل على أنه جملة مستأنفة لزم أن يكون اليسر الثاني غير الأول وإلا كان تكراراً والمفروض خلافه . وإن كان المراد العسر المعهود فإن كان المعهود واحداً وكان الثاني تكراراً كان اليسران أيضاً واحداً ، وإن كان مستأنفاً كانا اثنين وإلا لزم خلاف المفروض ، وإن كان المعهود اثنين فالظاهر اختلاف اليسرين وإلا لزم أو حسن أن يعاد اليسر الثاني معرفاً بلام العهد فهو واحد والكلام الثاني تكرير للأول لتقريره في النفوس ، إلا أنه يحسن أن يجعل اليسر فيه مغايراً للأول لعدم لام العهد . ولعل هذا معنى الحديث إن ثبت والله أعلم ورسوله . وإذا عرفت هذه الاحتمالات فإن لم يثبت صحة الحديث أمكن حمل الآية على جميعها ، وإن ثبت صحته وجب حملها على وجه يلزم منه اتحاد العسر واختلاف اليسر . وحينئذ يكون فيه قوة الرجاء ومزيد الاستظهار برحمة الكريم . وأما اليسران على تقدير اختلافهما فقيل : يسر الدنيا ويسر الآخرة أي إن مع العسر الذي أنتم فيه يسر العاجل ، إن مع العسر الذي أنتم فيه يسر الآجل . وقيل : ما تيسر لهم من الفتوح في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في أيام الخلفاء الراشدين ، والأظهر الجنس ليكون وعداً عاماً لجميع المكلفين في كل عصر .

/خ7