قوله تعالى : { ويعبدون من دون الله } يعني : هؤلاء المشركين ، { ما لا ينفعهم } إن عبدوه ، { ولا يضرهم } إن تركوه ، { وكان الكافر على ربه ظهيراً } أي : معيناً للشيطان على ربه بالمعاصي . وقال الزجاج : أي : يعاون الشيطان على معصية الله لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان . وقيل : معناه ( وكان الكافر على ربه ظهيراً ) ، أي : هيناً ذليلاً ، كما يقال الرجل : جعلني بظهير ، أي : جعلني هيناً . ويقال : ظهرت به ، إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه .
ثم بينت السورة الكريمة بعد ذلك موقف المشركين من هذه النعم العظيمة كما بينت وظيفة النبى صلى الله عليه وسلم وأمرته بالمضى فى دعوته متوكلا على الله - تعالى - وحده الذى خلق فسوى . وقدر فهدى . . . قال - تعالى - : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ . . . } .
الضمير فى قوله - تعالى - : { وَيَعْبُدُونَ . . . } يعود على الكافرين ، الذين عموا وصموا عن الحق .
أى : أن هؤلاء الكافرين يتركون عبادة الله - تعالى - الواحد القهار ، ويعبدون من دونه آلهة لا تنفعهم عبادتها إن عبدوها ، ولا تضرهم شيئا من الضرر إن تركوا عبادتها .
وقوله - سبحانه - : { وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً } بيان لما وصل إليه هؤلاء الكافرون من حمق وجهالة وجحود . فالمراد بالكافر : جنسه .
والظهير : المعين . يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه وساعده . وظهير بمعنى مظاهر .
أى : وكان هؤلاء الكافرون مظاهرين ومعاونين للشيطان وحزبه ، على الإشراك بالله - تعالى - الذى خلقهم ، وعلى عبادة غيره - سبحانه - .
ويصح أن يكون الكلام على حذف مضاف . أى : وكان الكافر على حرب دين ربه ، ورسول ربه ، مظاهرا للشيطان على ذلك .
وقال - سبحانه - { على رَبِّهِ ظَهِيراً } لتفظيع جريمة هذا الكافر وتبشيعها ، حيث صوره - سبحانه - بصورة من يعاون على مخاربة خالقه ورازقه ومربيه وواهبه الحياة .
يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام ، التي لا تملك لهم نفعاً ولا ضرا ، بلا دليل قادهم إلى ذلك ، ولا حجة أدتهم إليه ، بل بمجرد الآراء ، والتشهي والأهواء ، فهم يوالونهم{[21560]} ويقاتلون في سبيلهم ، ويعادون الله ورسوله [ والمؤمنون ]{[21561]} فيهم ؛ ولهذا قال : { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } أي : عونا في سبيل الشيطان على حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، كما قال تعالى : { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ } [ يس : 74 - 75 ] أي : آلهتهم التي اتخذوها من دون الله لا تملك{[21562]} لهم نصرا ، وهؤلاء الجهلة للأصنام جند محضرون يقاتلون عنهم ، ويَذبُّون عن حَوْزتهم ، ولكن العاقبة والنصرة لله ولرسوله في الدنيا والآخرة .
قال مجاهد : { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } قال : يظاهر الشيطان على معصية الله ، يعينه .
وقال سعيد بن جبير : { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } يقول : عوناً للشيطان على ربه بالعداوة والشرك .
وقال زيد بن أسلم : { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } قال : مواليا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَىَ رَبّهِ ظَهِيراً } .
يقول تعالى ذكره : ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهة لا تنفعهم ، فتجلب إليهم نفعا إذا هم عبدوها ، ولا تضرّهم إن تركوا عبادتها ، ويتركون عبادة من أنعم عليهم هذه النعم التي لا كفاء لأدناها ، وهي ما عدّد علينا جلّ جلاله في هذه الاَيات من قوله : ألَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ إلى قوله : قَدِيرا . ومن قدرته القدرة التي لا يمتنع عليه معها شيء أراده ، ولا يتعذّر عليه فعل شيء أراد فعله ، ومن إذا أراد عقاب بعض من عصاه من عباده أحلّ به ما أحلّ بالذين وصف صفتهم من قوم فرعون وعاد وثمود وأصحاب الرّسّ ، وقرونا بين ذلك كثيرا ، فلم يكن لمن غضب عليه منه ناصر ، ولا له عنه دافع . وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا يقول تعالى ذكره : وكان الكافر معينا للشيطان على ربه ، مظاهرا له على معصيته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا قال : يظاهر الشيطان على معصية الله بعينه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله عَلى رَبّهِ ظَهِيرا قال : معينا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله . قال ابن جُرَيج : أبو جهل معينا ظاهر الشيطان على ربه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّه ظَهيرا قال : عونا للشيطان على ربه على المعاصي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا قال : على ربه عوينا . والظهير : العوين . وقرأ قول الله : فَلاَ تَكُونَنّ ظَهِيرا للكافِرينَ قال : لا تكونن لهم عوينا . وقرأ أيضا قول الله : وأنْزلَ الّذِين ظاهَرُوهُمْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ صياصِيهِمْ قال : ظاهروهم : أعانوهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا يعني : أبا الحكم الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا جهل بن هشام .
وقد كان بعضهم يوجه معنى قوله وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا أي وكان الكافر على ربه هينا من قول العرب : ظهرت به ، فلم ألتفت إليه ، إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه ، وكأنّ الظهير كان عنده فعيل صرف من مفعول إليه من مظهور به ، كأنه قيل : وكان الكافر مظهورا به . والقول الذي قلناه هو وجه الكلام ، والمعنى الصحيح ، لأن الله تعالى ذكره أخبر عن عبادة هؤلاء الكفار من دونه ، فأولى الكلام أن يتبع ذلك ذمّه إياهم ، وذمّ فعلهم دون الخبر عن هوانهم على ربهم ، ولِما يجر لاستكبارهم عليه ذكر ، فيتبع بالخبر عن هوانهم عليه .
ثم ذكر تعالى خطأهم في عبادته أصناماً لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً وقوله { وكان الكافر على ربه ظهيراً } فيه تأويلان : أحدهما أن «الظهير » المعين فتكون الآية بمعنى توبيخهم على ذلك من أن الكفار يعينون على ربهم غيرهم من الكفرة والشيطان بأن يطيعوه ويظاهروه ، وهذا هو تأويل مجاهد والحسن وابن زيد ، والثاني ذكره الطبري أن يكون «الظهير » فعيلاً ، من قولك ظهرت الشيء إذا طرحته وراء ظهرك واتخذته ظهرياً ، فيكون معنى الآية على هذا التأويل احتقار الكفرة{[8855]} ، و { الكافر } في هذه الآية اسم الجنس وقال ابن عباس بل هو معين أراد به أبا جهل بن هشام .
قال الفقيه الإمام القاضي : ويشبه أن أبا جهل سبب الآية ولكن اللفظ عام للجنس كله .