معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا} (4)

{ يومئذ تحدث أخبارها } فيقول الإنسان : ما لها ، أي تخبر الأرض بما عمل عليها .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا يحيى بن سليمان ، عن سعيد بن المقبري ، عن أبي هريرة قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { يومئذ تحدث أخبارها } قال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، تقول : عمل يوم كذا كذا وكذا ، قال : فهذه أخبارها " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا} (4)

وقوله - سبحانه - : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } جواب الشرط ، و " أخبارها " مفعول ثان لقوله : { تُحَدِّثُ } والمفعول الأول محذوف . أى : إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها . وقال الإِنسان ماذا حدث لها ، عندئذ تحدِّثُ الأرضُ الخلائقَ أخبارَها ، بأن تشهد للطائع بأنه كان كذلك ، وتشهد الفاسق بأنه كان كذلك .

أخرج الإِمام أحمد والترمذى والنسائى عن أبى هريرة قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } ثم قال : " أتدرون ما أخبارها " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عُمِل على ظهرها ، بأن تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا . فهذه أخبارها . " .

والظاهر أن هذا التحديث من الأرض على سبيل الحقيقة ، بأن يخلق الله - تعالى - فيها حياة وإدراكا ، فتشهد بما عمل عليها من عمل صالح أو طالح ، كما تشهد على من فعل ذلك .

وقيل : هذا مثل ضربه الله - تعالى - والمقصود منه أن كل إنسان فى هذا اليوم سيتبين جزاء عمله ، وما أعده الله - تعالى - له على ما قدم فى حياته الأولى ، ونظير ذلك أن تقول : إن هذه الدار لتحدثنا بأنها كانت مسكونة .

قال بعض العلماء ما ملخصه : قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } يومئذ بدل من إذا . أي : فى ذلك الوقت تحدثك الأرض أحاديثها ، وتحديث الأرض تمثيل - كما قال الطبري وغيره - أي : إن حالها وما يقع فيها من الانقلاب ، وما لم يعهد من الخراب ، يعلم السائل ويفهمه الخبر ، وأن ما يراه لم يكن بسبب من الأسباب التى وضعها السنة الإِلهية ، حال استقرار نظام الكون ، بل ذلك بسبب { بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا} (4)

وقوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } أي : تحدث بما عمل العاملون على ظهرها .

قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم ، حدثنا ابن المبارك - وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي ، واللفظ له : حدثنا سُوَيد بن نصر ، أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقْبُرِي ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عَمِل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا ، يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها " {[30386]} .

ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .

وفي معجم الطبراني من حديث ابن لَهِيعة : حدثني الحارث بن يزيد - سمع ربيعة الجُرَشي - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحفظوا من الأرض ، فإنها أمكم ، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرًا أو شرًّا ، إلا وهي مُخبرة " {[30387]} .


[30386]:- (1) المسند (2/374) وسنن الترمذي برقم (3353) وسنن النسائي الكبرى برقم (11693).
[30387]:- (2) المعجم الكبير (5/65) وقال الهيثمي في المجمع (1/241): "وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا} (4)

{ يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } يقول : يومئذٍ تحدّث الأرض أخبارها . وتحديثها أخبارها ، على القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود ، أن تتكلم فتقول : إن الله أمرني بهذا ، وأوحى إليّ به ، وأذِن لي فيه .

وأما سعيد بن جُبير ، فإنه كان يقول في ذلك ما :

حدثنا به أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، قال : سمعت سعيد بن جُبير يقرأ في المغرب مرّة : «يَوْمَئِذٍ تُنَبّىءُ أخْبارَها » ومرة : تُحَدّثُ أخْبارَها .

فكأنّ معنى تحدّث كان عند سعيد : تُنَبىء ، وتنبيئها أخبارَها : إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها . وهذا القول قول عندي صحيح المعنى ، وتأويل الكلام على هذا المعنى : يومئذٍ تبّين الأرض أخبارها بالزلزلة والرّجّة ، وإخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها ، بوحي الله إليها ، وإذنه لها بذلك ، وذلك معنى قوله : { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَهَا بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } قال : أمرها ، فألقَت ما فيها وتخلّت .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } قال : أمرها .

وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك : «يَوْمَئِذٍ تُنْبّىءُ أخْبارَها » وقيل : معنى ذلك أن الأرض تحدّث أخبارها مَنْ كان على ظهرها من أهل الطاعة والمعاصي ، وما عملوا عليها من خير أو شرّ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } قال : ما عمل عليها من خير أو شرّ ، { بأن ربك أوحى لها } ، قال : أعلمها ذلك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخبْارَها } قال : ما كان فيها ، وعلى ظهرها من أعمال العباد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } قال : تخبر الناس بما عملوا عليها .

وقيل : عُنِي بقوله : { أوْحَى لَهَا } : أوحى إليها . ذكر من قال ذلك :

حدثني ابن سنان القزّاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس { أوْحَى لَهَا } قال : أوحى إليها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا} (4)

{ يومئذ تحدث } تحدث الخلق بلسان الحال أخبارها ما لأجله زلزالها وإخراجها ، وقيل : ينطقها الله سبحانه وتعالى فتخبر بما عمل عليها ، ويومئذ بدل من إذا ، وناصبهما تحدث ، أو أصل وإذا منتصب بمضمر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا} (4)

وقد قال صلى الله عليه وسلم : «ليس الخبر كالمعاينة{[11935]} » و «أخبار الأرض » قال ابن مسعود والثوري والثوري وغيره : هو شهادتهما بما عمل عليها من عمل صالح أو فاسد ، فالحديث على هذا حقيقة ، والكلام بإدراك وحياة يخلقها الله تعالى ، وأضاف الأخبار إليها من حيث وعتها وحصلتها ، وانتزع بعض العلماء من قوله تعالى : { تحدث أخبارها } أن قول المحدث : حدثنا وأخبرنا سواء ، وقال الطبري وقوم : التحديث في الآية مجاز ، والمعنى أن تفعله بأمر الله من إخراج أثقالها وتفتت أجزائها وسائر أحوالها هو بمنزلة التحديث بأنبائها وأخبارها ، ويؤيد القول الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم : «فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء ، إلا شهد له يوم القيامة{[11936]} » ، وقرأ عبد الله بن مسعود : «تنبىء أخبارها » ، وقرأ سعيد بن جبير : «تبين » .


[11935]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/251، 271) والطبراني في الأوسط، والحاكم في مستدركه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظه كما ذكره الإمام السيوطي في الجامع الصغير: (ليس الخبر كالمعاينة، إن الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت)، وقد رمز له الإمام السيوطي بأنه حديث صحيح.
[11936]:أخرجه البخاري في الأذان والتوحيد وبدء الخلق، والنسائي في الأذان، ومالك في موطئه في النداء، وأحمد في مسنده (3/35 / 43)، ولفظه كما في مسند أحمد عن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة المازني عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ، سمته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا} (4)

وجملة : { يومئذ تحدث أخبارها } الخ جواب { إذا } باعتبار ما أبدل منها من قوله : { يومئذ يصدر الناس } فيومئذ بدل من { يومئذ تحدث أخبارها } .

واليوم يطلق على النهار مع ليلهِ فيكون الزلزال نهاراً وتتبَعه حوادث في الليل مع انكدار النجوم وانتثارها وقد يراد باليوم مطلق الزمان .

و{ تحدث أخبارها } هو العامل في { يومئذ } وفي البدل ، والتقدير يوم إذْ تزلْزلُ الأرض وتُخرج أثقالها ويقول الناس : ما لَهَا تحدّث أخبارها الخ .

و{ أخبارها } مفعول ثاننٍ لفعل { تحدث } لأنه مما ألحق بظن لإِفادة الخَبَر عِلماً ، وحذف مفعوله الأول لظهوره ، أي تحدث الإِنسان لأن الغرض من الكلام هو إخبارها لما فيه من التهويل .

وضمير { تحدث } عائد إلى { الأرض } .

والتحديث حقيقته : أن يصدر كلام بخبر عن حَدث . وورد في حديث الترمذي عن أبي هريرة قال : « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يومئذ تحدث أخبارها } قال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول : عَمل كذا وكذا فهذه أخبارها » اه .

وجُمع { أخبارها } باعتبار تعدد دلالتها على عدد القائلين { ما لها } وإنما هو خبر واحد وهو المبيَّن بقوله : { بأن ربك أوحى لها } .

وانتصب { أخبارها } على نزع الخافض وهو باء تعدية فعل { تحدث } .