{ إن ربك لبالمرصاد } قال ابن عباس : يعني بحيث يرى ويسمع ويبصر ما تقول وتفعل وتهجس به العباد . قال الكلبي : عليه طريق العباد لا يفوته أحد . قال مقاتل : ممر الناس عليه ، والمرصاد ، والمرصد : الطريق . وقيل : مرجع الخلق إلى حكمه وأمره وإليه مصيرهم . وقال الحسن وعكرمة : يرصد أعمال بني آدم . والمعنى : أنه لا يفوته شيء من أعمال العباد ، كما لا يفوت من هو بالمرصاد . وقال السدي : أرصد الله النار على طريقهم حتى يهلكهم .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد } تذييل وتعليل لإِصابتهم بسوط عذاب
والمرصاد فى الأصل : اسم للمكان الذى يجلس فيه الجالس لترقب أو رؤية شئ ما .
والمراد : إن ربك - أيها الرسول الكريم - يرصد عمل كل إنسان ، ويحصيه عليه ، ويجازيه به ، دون أن يخفى عليه - سبحانه - شئ فى الأرض أو السماء
وفى هذه الآيات الكريمة تخويف شديد للكافرين ، وتهديد لهم على إصرارهم فى جحودهم ، وأنهم إذا ما ساروا فى طريق الجحود والعناد ، فسيصيبهم ما أصاب هؤلاء الطغاة .
وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } قال ابن عباس : يسمع ويرى . يعني : يرصد{[30051]} خلقه فيما يعملون ، ويجازي كلا بسعيه في الدنيا والآخرة ، وسيعرض الخلائق كلهم عليه ، فيحكم فيهم بعدله ، ويقابل كلا بما يستحقه . وهو المنزه عن الظلم والجور .
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا غريبًا جدًا - وفي إسناده نظر وفي صحته - فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا يونس الحذاء ، عن أبي حمزة البيساني ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ ، إن المؤمن لدى الحق أسير . يا معاذ ، إن المؤمن لا يسكن روعه ولا يأمن اضطرابه حتى يُخَلَّف جسر جهنم خلف ظهره . يا معاذ ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته ، وعن أن يهلك فيها هو بإذن الله ، عز وجل ، فالقرآن دليله ، والخوف محجته ، والشوق مطيته ، والصلاة كهفه ، والصوم جنته ، والصدقة فكاكه ، والصدق أميره ، والحياء وزيره ، وربه ، عز وجل ، من وراء ذلك كله بالمرصاد " {[30052]} .
قال ابن أبي حاتم : يونس الحذاء وأبو حمزة مجهولان ، وأبو حمزة عن معاذ مرسل . ولو كان عن أبي حمزة لكان حسنًا . أي : لو كان من كلامه لكان حسنًا . ثم قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أيفع بن عبد الكلاعي : أنه سمعه وهو يعظ الناس يقول : إن لجهنم سبع قناطر - قال : والصراط عليهن ، قال : فيحبس الخلائق عند القنطرة الأولى ، فيقول : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } [ الصافات : 24 ] ، قال : فيحاسبون على الصلاة ويُسألون عنها ، قال : فيهلك فيها من هلك ، وينجو من نجا ، فإذا بلغوا القنطرة الثانية حُوسبوا على الأمانة كيف أدوها ، وكيف خانوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . فإذا بلغوا القنطرة الثالثة سُئلوا عن الرحم كيف وَصَلُوها وكيف قطعوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . قال : والرحم يومئذ متدلية إلى الهُويّ في جهنم تقول : اللهم من وصلني فَصِلْه ، ومن قطعني فاقطعه . قال : وهي التي يقول الله عز وجل : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } .
وقوله : إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصَادِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن ربك يا محمد لهؤلاء الذين قصصت عليك قَصَصَهم ، ولضُرَبائهم من أهل الكفر به ، لبالمِرصاد يرصدهم بأعمالهم في الدنيا وفي الاَخرة ، على قناطر جَهَنم ، ليكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة .
واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معنى قوله : لَبِالمِرْصَادِ بحيث يرى ويسمع . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصَادِ يقول : يَرى ويسمع .
وقال آخرون : يعني بذلك أنه بمَرصد لأهل الظلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن المبارك بن مجاهد ، عن جُويبر ، عن الضحاك في هذه الاَية ، قال : إذا كان يوم القيامة ، يأمر الربّ بكرسيه ، فيوضع على النار ، فيستوي عليه ، ثم يقول : وعزّتي وجلالي ، لا يتجاوزني اليوم ذو مَظلِمة ، فذلك قوله : لَبِالمِرْصَادِ .
قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، قال : بلغني أن على جهنم ثلاث قناطر : قنطرة عليها الأمانة ، إذا مرّوا بها تقول : يا ربّ هذا أمين ، يا ربّ هذا خائن وقنطرة عليها الرحِم ، إذا مرّوا بها تقول : يا ربّ هذا واصل ، يا ربّ هذا قاطع وقنطرة عليها الربّ إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصادِ .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصَادِ يعني : جهنم عليها ثلاث قناطر : قنطرة فيها الرحمة ، وقنطرة فيها الأمانة ، وقنطرة فيها الربّ تبارك وتعالى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصَادِ قال : مِرْصاد عمل بني آدم .
( والمرصاد ) و " المرصد " موضع الرصد قاله اللغويون أي أنه عند لسان كل قائل ومرصد لكل فاعل ، وعلى هذا التأويل في المرصاد جاء جواب عامر بن عبد قيس لعثمان رضي الله عنه حين قال له : أين ربك يا أعرابي ؟ قال بالمرصاد ويحتمل أن يكون ( المرصاد ) في الآية اسم فاعل كأنه تعالى قال : لبالراصد فعبر ببناء المبالغة{[11798]} ، وروي في بعض الحديث إن على جسر جهنم ثلاث قناطر على إحداهما الأمانة وعلى الأخرى الدم وعلى الأخيرة الرب تبارك وتعالى فذلك قوله { إن ربك لبالمرصاد } {[11799]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.