معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

{ نزاعةً للشوى } قرأ حفص عن عاصم { نزاعةً } نصب على الحال والقطع ، وقرأ الآخرون بالرفع أي هي نزاعة للشوى ، وهي الأطراف : اليدان والرجلان ، وسائر الأطراف . قال مجاهد : لجلود الرأس . وروى إبراهيم بن المهاجر عنه : اللحم دون العظام . قال مقاتل : تنزع النار الأطراف فلا تترك لحماً ولا جلداً . وقال الضحاك : تنزع الجلد واللحم عن العظم . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : العصب والعقب . وقال الكلبي : لأم الرأس ، تأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان ، ثم تعود لأكله فتأكله ، فذلك دأبها . وقال قتادة : لمكارم خلقه وأطرافه . قال أبو العالية : لمحاسن وجهه . وقال ابن جرير :{ للشوى } : جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلاً ، يقال : رمى فأشوى إذا أصاب الأطراف ولم يصب المقتل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

والتى من صفاتها كونها { نَزَّاعَةً للشوى }

أى : قلاعة لجلدة الرأس وأطراف البدن ، كاليد والرجل ، ثم تعود هذه الجلدة والأطراف كما كانت .

فقوله : { نَزَّاعَةً } صيغة المبالغة من النزع بمعنى القلع والفصل . والشوى : جمع شواة - بفتح الشين - ، وهى من جوارح الإِنسان ما لم يكن مقتلا ، مثل اليد والرجل . والجمع باعتبار ما لكل أحد من جوارح وأطراف . يقال : فلان رمى فأشوى ، إذا لم يصب مقتلا ممن رماه .

وقيل : الشواة : جلدة الرأس . والجمع باعتبار كثرة الناس .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

وبينما المجرم في هذه الحال ، يتمنى ذلك المحال ، يسمع ما ييئس ويقنط من كل بارقة من أمل ، أو كل حديث خادع من النفس . كما يسمع الملأ جميعا حقيقة الموقف وما يجري فيه :

كلا ! إنها لظى . نزاعة للشوى . تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى . .

إنه مشهد تطير له النفس شعاعا ، بعد ما أذهلها كرب الموقف وهوله . . ( كلا ! )في ردع عن تلك الأماني المستحيلة في الافتداء بالبنين والزوج والأخ والعشيرة ومن في الأرض جميعا . . ( كلا ! إنها لظى )نار تتلظى وتتحرق( نزاعة للشوى )تنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا . . وهي غول مفزعة . ذات نفس حية تشارك في الهول والعذاب عن إرادة وقصد : تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى . . تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر ويتولى . ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يملك أن يدبر ويتولى ! ولقد كان من قبل مشغولا عن الدعوة بجمع المال وحفظه في الأوعية ! فأما اليوم فالدعوة من جهنم لا يملك أن يلهو عنها . ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كله منها !

والتوكيد في هذه السورة والسورة السابقة قبلها وفي سورة القلم كذلك على منع الخير ، وعدم الحض على طعام المسكين ، وجمع المال في الأوعية إلى جانب الكفر والتكذيب والمعصية . . هذا التوكيد يدل على أن الدعوة كانت تواجه في مكة حالات خاصة يجتمع فيها البخل والحرص والجشع إلى الكفر والتكذيب والضلالة . مما اقتضى تكرار الإشارة إلى هذا الأمر ، والتخويف من عاقبته ، بوصفه من موجبات العذاب بعد الكفر والشرك بالله .

وفي هذه السورة إشارات أخرى تفيد هذا المعنى ، وتؤكد ملامح البيئة المكية التي كانت تواجهها الدعوة . فقد كانت بيئة مشغولة بجمع المال من التجارة ومن الربا . وكان كبراء قريش هم أصحاب هذه المتاجر ، وأصحاب القوافل في رحلتي الشتاء والصيف . وكان هنالك تكالب على الثراء ، وشح النفوس يجعل الفقراء محرومون ، واليتامى مضيعين . ومن ثم تكرر الأمر في هذا الشأن وتكرر التحذير . وظل القرآن يعالج هذا الجشع وهذا الحرص ؛ ويخوض هذه المعركة مع الجشع والحرص في أغوار النفس ودروبها قبل الفتح وبعده على السواء . مما هو ظاهر لمن يتتبع التحذير من الربا ، ومن أكل أموال الناس بالباطل ، ومن أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا ! ومن الجور على اليتيمات واحتجازهن للزواج الجائر رغبة في أموالهن ! ومن نهر السائل ، وقهر اليتيم ، ومن حرمان المساكين . . . إلى آخر هذه الحملات المتتابعة العنيفة الدالة على الكثير من ملامح البيئة . فضلا على أنها توجيهات دائمة لعلاج النفس الإنسانية في كل بيئة . وحب المال ، والحرص عليه ، وشح النفس به ، والرغبة في احتجانه ، آفة تساور النفوس مساورة عنيفة ، وتحتاج للانطلاق من إسارها والتخلص من أوهاقها ، والتحرر من ربقتها ، إلى معارك متلاحقة ، وإلى علاج طويل !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { نزاعَةً لِلشَّوَى } الجلود والهام . وقال مجاهد : ما دون العظم من اللحم . وقال سعيد بن جبير : العصب . والعقب . وقال أبو صالح : { نزاعَةً لِلشَّوَى } يعني : أطراف اليدين والرجلين . وقال أيضا : نزاعة لحم الساقين . وقال الحسن البصري ، وثابت البناني : { نزاعَةً لِلشَّوَى } أي : مكارم وجهه . وقال الحسن أيضا : تحرق كل شيء فيه ، ويبقى فؤاده يصيح . وقال قتادة : { نزاعَةً لِلشَّوَى } أي : نزاعة لهامته ومكارم وَجهه وخَلْقَه وأطرافه . وقال الضحاك : تبري اللحم والجلد عن العظم ، حتى لا تترك منه شيئًا . وقال ابن زيد : الشوى : الآراب العظام . فقوله : نزاعة ، قال : تقطع عظامهم ، ثم يُجَدد خلقهم وتبدل جلودهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

و : «الشوى » جلد الإنسان ، وقيل جلد الرأس الهامة ، قاله الحسن . ومنه قول الأعشى : [ مجزوء الكامل ]

قالت قتيلة ما له*** قد جللت شيباً شواته{[11321]}

ورواه أبو عمرو بن العلاء سراته فلا شاهد في البيت على هذه الرواية . قال أبو عبيدة : سمعت أعرابياً يقول اقشعرت شواتي ، و «الشوى » أيضاً : قوائم الحيوان ، ومنه عبل الشوى{[11322]} ، و «الشوى » أيضاً : كل عضو ليس بمقتل ، ومنه رمى فأشوى إذا لم يصب المقتل ، ومنه " رمى الشوى " {[11323]} إذا لم يصب المقتل ، وقال ابن جرير : «الشوى » العصب والعقب ، فنار لظى تذهب هذا من ابن آدم وتنزعه .


[11321]:البيت في اللسان، والطبري، والقرطبي، والبحر المحيط، وفتح القدير، وقد قيل: هو من الأبيات المنسوبة للأعشى، واستشهد به أيضا أبو عبيدة في "مجاز القرآن" والشوى: جلدة الرأس، والمفرد: شواة، وقد أنشد الأخفش هذا البيت لأبي عمرو بن العلاء فقال له: صحفت، وإنما هي: سراته –بالسين- أي جوانبه، فسكت الأخفش ثم قال لمن حوله:بل هو الذي صحف وهي شواته.
[11322]:الشوى: جلدة الرأس، والشوى: اليدان والرجلان وأطراف الأصابع، والشوى: الشيء اليسير الهين، وفي اللغة شواهد كثيرة لهذه المعاني، والعبل: الضخم من كل شيء، هو عبل الذراعين، وفرس عبل الشوى: ضخم القوائم.
[11323]:أي: رمى فأصاب الأطراف وهي ليست بمقتل.