مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

وقوله : { نزاعة } مرفوعة ، وفي سبب هذا الارتفاع وجوه ( الأول ) أن تجعل الهاء في أنها عماد ، أو تجعل لظى اسم إن ، ونزاعة خبر إن ، كأنه قيل : إن لظى نزاعة ( والثاني ) أن تجعل الهاء ضمير القصة ، ولظى مبتدأ ، ونزاعة خبرا ، وتجعل الجملة خبرا عن ضمير القصة ، والتقدير : إن القصة لظى نزاعة للشوى ( والثالث ) أن ترتفع على الذم ، والتقدير : إنها لظى وهي نزاعة للشوى ، وهذا قول الأخفش والفراء والزجاج . وأما قراءة النصب ففيها ثلاثة أوجه ( أحدها ) قال الزجاج : إنها حال مؤكدة ، كما قال : { هو الحق مصدقا } وكما يقول : أنا زيد معروفا ، اعترض أبو علي الفارسي على هذا وقال : حمله على الحال بعيد ، لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال ، فإن قلت في قوله : { لظى } معنى التلظي والتلهب ، فهذا لا يستقيم ، لأن لظى اسم علم لماهية مخصوصة ، والماهية لا يمكن تقييدها بالأحوال ، إنما الذي يمكن تقييده بالأحوال هو الأفعال ، فلا يمكن أن يقال : رجلا حال كونه عالما ، ويمكن أن يقال : رأيت رجلا حال كونه عالما ( وثانيها ) أن تكون لظى اسما لنار تتلظى تلظيا شديدا ، فيكون هذا الفعل ناصبا ، لقوله : { نزاعة } ( وثالثها ) أن تكون منصوبة على الاختصاص ، والتقدير : إنها لظى أعنيها نزاعة للشوى ، ولم تمنع .

المسألة الثالثة : { الشوى } الأطراف ، وهي اليدان والرجلان ، ويقال للرامي : إذا لم يصب المقتل أشوى ، أي أصاب الشوى ، والشوى أيضا جلد الرأس ، واحدتها شواة ومنه قول الأعشى :

قالت قتيلة ماله *** قد جللت شيبا شواته

هذا قول أهل اللغة ، قال مقاتل : تنزع النار الهامة والأطراف فلا تترك لحما ولا جلدا إلا أحرقته ، وقال سعيد بن جبير : العصب والعقب ولحم الساقين واليدين ، وقال ثابت البناني : لمكارم وجه بني آدم . واعلم أن النار إذا أفنت هذه الأعضاء ، فالله تعالى يعيدها مرة أخرى ، كما قال : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } .