الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

" نزاعة للشوى " قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم في رواية أبي بكر عنه والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي " نزاعة " بالرفع . وروى أبو عمرو عن عاصم " نزاعة " بالنصب . فمن رفع فله خمسة أوجه : أحدها أن تجعل " لظى " خبر " إن " وترفع " نزاعة " بإضمار هي ، فمن هذا الوجه يحسن الوقف على " لظى " . والوجه الثاني أن تكون " لظى " و " نزاعة " خبران لإن . كما تقول إنه خلق مخاصم . والوجه الثالث أن تكون " نزاعة " بدلا من " لظى " و " لظى " خبر " إن " . والوجه الرابع أن يكون " لظى " بدلا من اسم " إن " و " نزاعة " خبر " إن " . والمعنى : أن القصة والخبر لظى نزاعة للشوى ومن نصب " نزاعة " حسن له أن يقف على " لظى " وينصب " نزاعة " على القطع من " لظى " إذ كانت نكرة متصلة بمعرفة . ويجوز نصبها على الحال المؤكدة ، كما قال : " وهو الحق مصدقا{[15353]} " [ البقرة : 91 ] . ويجوز أن تنصب على معنى أنها تتلظى نزاعة ، أي في حال نزعها للشوى . والعامل فيها ما دل عليه الكلام من معنى التلظي . ويجوز أن يكون حالا ، على أنه حال للمكذبين بخبرها . ويجوز نصبها عل القطع ، كما تقول : مررت بزيد العاقل الفاضل . فهذه خمسة أوجه للنصب أيضا . والشوى . جمع شواة وهي جلدة الرأس . قال الأعشى :

قالت قُتَيلة مالَه *** قد جُلِّلَتْ شيبًا شَوَاتُهُ

وقال آخر :

لأصبحت هدتك الحوادثُ هَدَّةً *** لها فشواة الرأس بادٍ قَتِيرُهَا

القتير : الشيب . وفي الصحاح : " والشوى : جمع شواة وهي جلدة الرأس " . والشوى : اليدان والرجلان والرأس من الآدميين ، وكل ما ليس مقتلا . يقال : رماه فأشواه إذا لم يصب المقتل . قال الهذلي :

فإن من القول التي لا شَوَى لها *** إذا زل عن ظهر اللسان انفلاتُها

يقول : إن من القول كلمة لا تشوي ولكن تقتل . قال الأعشى :

قالت قتيلة مالهُ *** قد جُلِّلَتْ شيباً شَواته

قال أبو عبيد : أنشدها أبو الخطاب الأخفش أبا عمرو بن العلاء فقال له : " صحفت ! إنما هو سراتُه ، [ أي نواحيه ]{[15354]} فسكت أبو الخطاب ثم قال لنا : بل هو صحف ، إنما هو شواته " . وشوى الفرس : قوائمه ؛ لأنه يقال : عَبْل{[15355]} الشَّوَى ، ولا يكون هذا للرأس ؛ لأنهم وصفوا الخيل بإسالة الخدين وعتق الوجه وهو رقته . والشوى : رُذال المال . والشوى : هو الشيء الهين اليسير . وقال ثابت البناني والحسن : " نزاعة للشوى " أي لمكارم وجهه . أبو العالية : لمحاسن وجهه . قتادة : لمكارم خلقته وأطرافه . وقال الضحاك : تفري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا . وقال الكسائي : هي المفاصل . وقال بعض الأئمة : هي القوائم والجلود . قال امرؤ القيس :

سليم الشَّظَى عَبْلَ الشَّوَى شَنِجُ النَّسَا *** له حَجَبات مُشْرِفَاتٌ على الفَالِ{[15356]}

وقال أبو صالح : أطراف اليدين والرجلين . قال الشاعر :

إذا نظرتْ عرفت الفخر منها *** وعينيها ولم تعرف شَواها

يعني أطرافها . وقال الحسن أيضا : الشَّوى الهام .


[15353]:راجع جـ 2 ص 29.
[15354]:الزيادة من لسان العرب.
[15355]:أي غليظ القوائم.
[15356]:الشظى: عظم لازق بالذراع. وقيل: انشقاق العصب. و "عبل الشوى" غليظ اليدين والرجلين. و "الشنج" محركة: تقبض الجلد والأصابع. و "النسا" مقصور: عرق في الفخذ، وفرس شنج النسا: منقبضه، وهو مدح له. و "الحجبات": رؤوس عظام الوركين. و "الفال": لغة في الفائل وهو اللحم الذي على الورك.