اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{نَزَّاعَةٗ لِّلشَّوَىٰ} (16)

/خ16

وقرأ العامة : «نزَّاعةٌ » بالرفع .

وقرأ حفص ، وأبو حيوة والزَّعفرانِيُّ ، واليَزيديُّ ، وابنُ مقسم : «نزَّاعةً » بالنصب{[57904]} . وفيها وجهان :

أحدهما : أن ينتصب على الحال ، واعترض عليه أبو علي الفارسي ، وقال : حمله على الحال بعيدٌ ، لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال .

قال القرطبيُّ{[57905]} : «ويجوز أن يكون حالاً على أنه حالٌ للمكذبين بخبرها » .

وفي صاحبها أوجه :

أحدها : أنه الضمير المستكنُّ في «لَظَى » ؛ وإن كانت علماً فهي جاريةٌ مجرى المشتقات ك «الحارث والعباس » ، وذلك لأنها بمعنى التلظِّي ، وإذا عمل العلم الصريح والكنية في الظروف ، فلأن يعمل العلم الجاري مجرى المشتقات في الأحوال أولى ، ومن مجيء ذلك قوله : [ السريع أو الرجز ]

4861 - أنَا أبُو المِنْهَالِ بَعْضَ الأحْيَان{[57906]} *** . . .

ضمنه بمعنى أنا المشهور في بعض الأحيان .

الثاني : أنَّه فاعل «تَدعُو » وقدمت حاله عليه ، أي : تدعو حال كونها نزَّاعةً .

ويجوز أن تكون هذه الحالُ مؤكدةً ، لأنَّ «لَظَى » هذا شأنها ، وهو معروف من أمرها ، وأن تكون مبنيةً ؛ لأنه أمرٌ توقيفيّ .

الثالث : أنه محذوف هو والعامل تقديره : تتلظَّى نزاعة ، ودل عليه «لَظَى » .

الثاني من الوجهين الأولين : أنها منصوبة على الاختصاص ، وعبَّر عنه الزمخشريُّ بالتهويل . كما عبَّر عن وجه رفعها على خبر ابتداء مضمر ، والتقدير : أعني نزاعةٌ وأخصُّها .

وقد منع المبردُ نصب «نزَّاعة » ، قال : لأن الحال إنما يكون فيما يجوز أن يكون وألاّ يكون و «لَظَى » لا تكون إلا نزَّاعةً ، قاله عنه مكِّيٌّ .

وردَّ عليه بقوله تعالى : { وَهُوَ الحق مُصَدِّقاً }[ البقرة : 91 ] ، { وهذا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً }[ الأنعام : 126 ] قال : فالحق لا يكون إلا مصدقاً ، وصراط ربِّك لا يكونُ إلاَّ مستقيماً .

قال شهاب الدين{[57907]} : المُبرِّدُ بني الأمر على الحال المبنيةِ ، وليس ذلك بلازم ؛ إذ قد وردت الحال مؤكدة كما أورده مكيٌّ ، وإن كان خلاف الأصلِ ، واللظى في الأصل : اللهب ، ونقل علماً لجهنم ، ولذلك منع من الصرف .

وقيل : هو اسم للدَّركة الثانية من النارِ ، والشَّوى : الأطراف جمع شواة ، ك «نوى ، ونواة » ؛ قال الشاعر : [ الوافر ]

4862 - إذَا نَظرَتْ عَرفْتَ النَّحْرَ مِنْهَا***وعَيْنَيْهَا ولمْ تَعْرفْ شَواهَا{[57908]}

يعني : أطرافها .

وقيل : الشَّوى : الأعضاء التي ليست بمقتل ، ومنه : رماه فأشواه ، أي لم يُصِبْ مقتله ، وشوى الفرس : قوائمه ، لأنه يقال : عَبْلُ الشَّوى .

وقيل : الشَّوى : جمع شواة وهي جلدة الرأس ؛ وأنشد الأصمعي : [ مجزوء الكامل ]

4863 - قَالتْ قُتَيْلَةُ : مَا لَهُ*** قَدْ جُلِّلتْ شَيْباً شَواتُه{[57909]}

وقيل : هو جلد الإنسان ، والشَّوى أيضاً : رُذال المال ، والشيء اليسير .

فصل في معنى الآية

قال ثابت البناني والحسن : «نزَّاعةً للشَّوى » : أي لمكارم وجهه{[57910]} . وعن الحسن أيضاً : إنه الهام{[57911]} .

وقال أبو العالية : لمحاسن وجهه{[57912]} .

وقال قتادة : لمكارم خلقته وأطرافه{[57913]} .

وقال الضحاك : تفري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئاً{[57914]} .

وقال الكسائي : هي المفاصل .

وقيل : هي القوائم والجلود .

قال امرؤ القيس : [ الطويل ]

4864 - سَلِيمُ الشَّظَى ، عَبْلُ الشَّوى ، شَنِجُ النَّسَا***لَهُ حَجَباتٌ مُشرفاتٌ على الفَالِ{[57915]}

16


[57904]:ينظر: السبعة 650، والحجة 6/319، وإعراب القراءات 2/390، وحجة القراءات 723.
[57905]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/186.
[57906]:تقدم.
[57907]:ينظر الدر المصون 6/377.
[57908]:ينظر القرطبي 18/187.
[57909]:ينظر القرطبي 18/186، والبحر 8/325، والدر المصون 6/377.
[57910]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/419) عن ثابت وعزاه إلى ابن المنذر وذكره القرطبي (18/187) عن ثابت والحسن.
[57911]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/232).
[57912]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/394) والقرطبي (18/187).
[57913]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/146) وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.
[57914]:ينظر تفسير الماوردي (6/93) والبغوي (4/394) والقرطبي (18/167).
[57915]:ينظر: ديوانه (36)، ولسان العرب (شظي) والقرطبي 18/187.