ثم ذكر طعامهم فقال :{ ليس لهم طعام إلا من ضريع } قال مجاهد وعكرمة وقتادة : هو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض ، تسميه قريش الشبرق فإذا هاج سموها الضريع ، وهو أخبث طعام وأبشعه . وهو رواية العوفي عن ابن عباس . قال الكلبي : لا تقربه دابة إذا يبس . قال ابن زيد : أما في الدنيا فإن الضريع : الشوك اليابس الذي يبس له ورق ، وهو في الآخرة شوك من نار ، وجاء في الحديث عن ابن عباس : الضريع : شيء في النار شبه الشوك أمر من الصبر ، وأنتن من الجيفة ، وأشد حراً من النار . وقال أبو الدرداء ، والحسن : إن الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ، ثم يستغيثون فيغاثون بالضريع ، ثم يستغثون فيغاثون بطعام ذي غصة ، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء ، فيستسقون ، فيعطشهم ألف سنة ، ثم يسقون من عين آنية شربة لا هنيئة ولا مريئة ، فلما أدنوه من وجوههم ، سلخ جلود وجوههم وشواها ، فإذا وصل إلى بطونهم قطعها فذلك قوله عز وجل : { وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم }( محمد- 15 ) . قال المفسرون : فلما نزلت هذه الآية قال المشركون : إن إبلنا لتسمن على الضريع ، وكذبوا في ذلك ، فإن الإبل إنما ترعاه ما دام رطباً ، وتسمى شبرقاً فإذا يبس لا يأكله شيء . فأنزل الله { لا يسمن ولا يغني من جوع } .
وقوله - تعالى - : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ . لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ
والضريع : هو شجر فى النار يشبه الشوك ، فيه ما فيه من المرارة والحرارة وقبح الرائحة .
وقوله : { يسمن } من السِّمَن - بكسر السين وفتح الميم - وهو وفرة اللحم والشحم فى الحيوان وغيره . يقال : فلان أسمنه الطعام ، إذا عاد عليه بالسمن .
وقوله : { يغنى } من الإِغناء ودفع الحاجة ، يقال : أغنانى هذا الشئ عن غيره ، إذا كفاه واستغنى به عن سواه . أى : أن أصحاب هذه الوجوه التعيسة بجانب شرابهم من الماء البالغ النهاية فى الحرارة ، لهم - أيضا - طعام من أقبح الطعام وأردئه وأشنعه وأشده مرارة . . هذا الطعام لا يأتى بسمن ، ولا يغنى من جوع ، بل إن آكله ليزدرده رغما عنه .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد أخبر عن أصحاب هذه الوجوه الشقية بجملة من الأخبار المحزنة المؤلمة ، التى منها ما يتعلق بهيئاتهم ، ومنها ما يتعلق بأحوالهم ، ومنها ما يتعلق بشرابهم ، ومنها ما يتعلق بطعامهم .
ووصف - سبحانه - طعامهم بأنه لا يسمن ولا يغنى من جوع ، لزيادة تقبيح هذا الطعام ، وأنه شر محض ، لا مكان لأية فائدة معه .
قال صاحب الكشاف : الضريع : اليابس من نبات الشبرق ، وهو جنس من الشوك ، ترعاه الإِبل ما دام رطبا ، فإذا يبس تحامته الإِبل وهو سم قاتل . .
فإن قلت : كيف قيل : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } وفى الحاقة { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } قلت : العذاب ألوان ، والمعذبون طبقات ، فمنهم : أكله الزقوم ، ومنهم أكلة الغسلين ، ومنهم أكلة الضريع .
والضريع : منفعتا الغذاء منفيتان عنه : وهما إماطة الجوع ، وإفادة القوة والسمن فى البدن . أو أريد : أن لا طعام لهم أصلا ، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم ، فضلا عن الإِنس ، لأن الطعام ما أشبه أو أسمن ، وهما منه بمعزل ، كما تقول : ليس لفلان ظل إلى الشمس . نريد : نفى الظل على التوكيد . .
وقوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ يقول : ليس لهؤلاء الذين هم أصحاب الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة ، طعام إلا ما يطعمونه من ضرِيع . والضريع عند العرب : نبت يُقال له الشّبْرِق ، وتسميه أهل الحجاز الضّرِيع إذا يبس ، ويسميه غيرهم : الشّبْرق ، وهو سمّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال : الضريع : الشّبْرق .
حدثني محمد بن عُبيدة المحاربيّ ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب الأسديّ ، قال محمد : ثنا ، وقال عباد : أخبرنا محمد بن سليمان ، عن عبد الرحمن الأصبهانيّ ، عن عكرِمة في قوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال : الشّبرق .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا إسماعيل بن عُلَية ، عن أبي رجاء ، قال : ثني نجدة ، رجل من عبد القيس عن عكرِمة ، في قوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال : هي شجرة ذات شوك ، لاطئة بالأرض ، فإذا كان الربيع سمّتها قريش الشّبرق ، فإذا هاج العود سمتها الضّرِيع .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال : الشبرق .
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مِهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ضَرِيع قال : الشّبرق اليابس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن مَعْمر ، عن قتادة إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال : هو الشبرق إذا يبس يسمى الضريع .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعِ يقول : من شرّ الطعام ، وأبشعه وأخبثه .
حدثني محمد بن عبيد ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله ، في قوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضرِيعٍ قال : الشّبرق .
وقال آخرون : الضّرِيع : الحجارة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال : الحجارة .
وقال آخرون : الضّريع : شجر من نار . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ يقول : شجر من نار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال : الضريع : الشّوك من النار . قال : وأما في الدنيا فإن الضريع : الشوك اليابس الذي ليس له ورق ، تدعوه العرب الضريع ، وهو في الاَخرة شوك من نار .