الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَّيۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٖ} (6)

{ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } قال محمد وعكرمة وقتادة : وهو نبت ذو شوك لاطي بالأرض تسمّيه فرش الشرق ، فإذا هاج سمّوه الضريع ، وهو أخبث طعام وأبشعه ، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس ، الوالي عنه : هو شجر من نار ، وقال ابن زيد : أمّا في الدنيا فإنّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق ، تدعوه العرب الضريع ، وهو في الآخرة شوك من نار .

وقال الكلبي : لا تقربه دابّة إذا يبس ، ولا يرعاه شيء ، وقال سعيد بن جبير هو الحجارة ، عطاء عن ابن عبّاس : هو شيء يطرحه البحر المالح ، يسمّيه أهل اليمن الضريع ، وقد روي عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " الضريع شيء يكون في النار شبه الشوك ، أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرّاً من النار " سمّاه النبيّ ضريعاً ، وقال عمرو بن عبيد : لم يقل الحسن في الضريع شيئاً ، إلاّ أنّه قال : هو بعض ما أخفى الله من العذاب ، وقال ابن كيسان : هو طعام يضّرعون منه ويذلّون ويتضرّعون إلى الله سبحانه ، وعلى هذا التأويل يكون المعنى المضرّع .

وقال أبو الدرداء والحسن : يُقبّح الله سبحانه وجوه أهل النار يوم القيامة يشبهها بعملهم القبيح في الدنيا ، ويُحسن وجوه أهل الجنّة يشبّهها بأعمالهم الحسنة في الدنيا ، وأنّ الله سبحانه يرسل على أهل النار الجوع حتّى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون فيُغاثون بالضريع ويستغيثون فيُغاثون بطعام ذي غصّة ، فيذكرون أنّهم كانوا يخبزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون بعطشهم ألف سنة ، ثمّ يُسقون من عين آنية لا هنيّة ولا مريّة ، فكلّما أدنوه من وجوههم سلخ جلودَ وجوههم وشواها ، فإذا وصل إلى بطونهم قطّعها ، فذلك قوله سبحانه :

{ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] .

قال المفسِّرون : فلمّا نزلت هذه الآية قال المشركون : إنّ إبلنا لتسمن على الضريع ، فأنزل الله سبحانه : { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } ويقول : فإنّ الإبل ترعاهُ ما دام رطباً ، فإذا يبسَ فلا يأكلهُ شيء ورطبه يسمّى شبرقاً لا ضريعاً .