اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّيۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٖ} (6)

قوله : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } . لمَّا ذكر شرابهم ذكر طعامهم .

والضَّريعُ : شجر في النار ، ذو شوك لاصق بالأرض ، تسميه قريش : الشِّبرق إذا كان رطباً ، وإذا يبسَ فهو الضريع ، لا تقربه دابة ، ولا بهيمة ، ولا ترعاه ، وهو سم قاتل . قاله عكرمة ، ومجاهد وأكثر المفسرين{[59968]} .

وروى الضحاكُ عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهم - قال : شيء يرمي به البحر يسمى الضريع من أقوات الأنعام لا الناس ، وإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع ، وهلكت هزلاً{[59969]} .

والصحيح الأول ؛ قال أبو ذؤيبٍ : [ الطويل ]

5182- رَعَى الشِّبرقَ الرَّيانَ حتَّى إذا ذَوَى*** رَعَا ضَرِيعاً بَانَ مِنْهُ النَّحَائِصُ{[59970]}

وقال الهذلي يذكر إبلاً وسوء مرعاها : [ الكامل ]

5183- وَحُبِسْنَ في هَزْمِ الضَّريعِ فكُلُّهَا *** حَدْباءُ دَاميةُ اليديْنِ حرُودُ{[59971]}

وقال الخليل : الضريع : نبات منتن الريح ، يرمي به البحر .

وقال أيضاً : ويقال للجلدة التي على العظم تحت اللحم ، هي الضريع ، فكأنه تعالى وصف بالقلة ، فلا جرم لا يسمن ولا يغني من جوع .

وقيل : هو الزقوم .

وقيل : يابس العرفج إذا تحطم .

وقيل : نبت يشبه العوسج .

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : هو شجر من نارٍ ، ولو كانت الدنيا لأحرقت الأرض ، وما عليها{[59972]} .

وقال سعيدُ بن جبيرٍ ، وعكرمةُ : هي حجارة من نار{[59973]} .

وقال القرطبيُّ{[59974]} : والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا .

وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الضريع شيء يكون في النَّار : يشبهُ الشّوْك ، أشدُّ مرارة من الصَّبْرِ ، وأنْتَنُ من الجِيفةِ ، وأحرُّ منَ النَّارِ سماهُ اللهُ ضَريْعاً »{[59975]} .

قال القتيبيُّ : ويجوز أن يكون الضريع ، وشجرة الزقوم : نبتين من النار ، أو من جوهر لا تأكله النَّار ، وكذلك سلاسل النار ، وأغلالها ، وحياتها ، وعقاربها ، ولو كانت على ما نعلم لما بقيت على النار وإنما دلَّنا الله على الغائب عند الحاضر عندنا ، فالأسماء متفقة الدلالة والمعاني مختلفة ، وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها .

وزعم بعضهم : أنَّ الضريع : ليس بنبت في النار ، ولا أنهم يأكلونه ؛ لأن الضريع من أقوات الأنعام ، لا من أقوات الناس ، وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع ، وهلكوا هزلاً ، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم ، وضرب الضريع له مثلاً .

والمعنى أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع .

وقال الحكيمُ الترمذي : وهذا نظر سقيم من أهله ، يدل على أنهم تحيَّروا في قدرة الله تعالى ، وأن الذي أنبت في هذا التراب الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار ، كما جعل - سبحانه وتعالى - في الدنيا من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ، فلا النار تحرق الشجر ، ولا رطوبة الماء في الشجر تُطفئُ النار ، قال تعالى : { الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } [ يس : 80 ] ، وكما قيل : حين نزلت : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ } [ الإسراء : 97 ] ، قالوا : «يا رسُولَ اللهِ ، كيف يمْشُونَ على وُجوهِهمْ ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - : «الَّذي أمشَاهُمْ عَلَى أرْجُلهِمْ قادرٌ على أنْ يُمشِيهمْ على وُجوهِهِمْ »{[59976]} ، فلا يتحيَّر في مثل هذا إلا ضعيف العقل{[59977]} ، أو ليس قد أخبرنا أنه : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [ النساء : 56 ] ، وقال تعالى : { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } [ إبراهيم : 50 ] .

وعن الحسن : لا أدري ما الضريع ، ولم أسمع فيه من الصحابة شيئاً .

قال ابنُ كيسان : وهو طعام يضرعون عنده ، ويذلون ، ويتضرعون منه إلى الله تعالى ، طلباً للخلاص منه ، فسمي بذلك ؛ لأن آكله يتضرع في أن يعفى منه للكراهة وخشونته .

قال أبو جعفر النحاس : قد يكون مشتقاً من الضارع ، وهو الذليل ، أي : ذو ضراعة ، أي : من شربه ذليل تلحقه ضراعة .

فإن قيل : قد قال تعالى في موضع آخر : { فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 35 ، 36 ] . وقال تعالى - هاهنا - : { إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } وهو غير الغسلين ، فما وجه الجمع ؟ .

والجواب : أن النار دركات ، فمنهم من طعامه الزقوم ومنهم من طعامه الغسلين ، ومنهم من طعامه الضريع ، ومنهم من شرابه الحميم ، ومنهم من شرابه الصديد .

قال الكلبيُّ : الضريع في درجة ليس فيها غيره ، والزقوم في درجة أخرى{[59978]} .


[59968]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/552 – 553) عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/573) عن مجاهد وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وذكره عن ابن عباس وعزاه إلى عبد بن حميد. وعن عكرمة وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[59969]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/21).
[59970]:ينظر الكشاف 4/742، والقرطبي 20/21، والبحر 8/456، والدر المصون 6/513.
[59971]:ينظر ديوانه الهذليين 3/73، واللسان (ضرع)، والكشاف 4/742 والبحر 8/456، والدر المصون 6/512.
[59972]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/22).
[59973]:ينظر المصدر السابق.
[59974]:الجامع لأحكام القرآن 20/22.
[59975]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/21).
[59976]:تقدم.
[59977]:في أ: القلب.
[59978]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/21).