معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ} (14)

قوله تعالى : { ذلكم } ، أي : هذا العذاب والضرب الذي عجلته لكم أيها الكفار ببدر .

قوله تعالى : { فذوقوه } عاجلاً .

قوله تعالى : { وأن للكافرين } ، أي : واعلموا وأيقنوا أن للكافرين أجلاً في المعاد .

قوله تعالى : { عذاب النار } . روى عكرمة عن ابن عباس قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر :عليك بالعير ليس دونها شيء ، فناداه العباس وهو أسير في وثاقه : لا يصلح لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمه ؟ قال : لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين ، وقد أعطاك ما وعدك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ} (14)

ثم يوجه - سبحانه - خطابه على سبيل الالتفات لأولئك الذين شاقوا الله ورسوله ، متوعدا إياهم بسوء المصير فيقول : { ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار } فاسم الإِشارة { ذلكم } يعود إلى ما سبق بيانه من تأييد المؤمنين ، وخذلان الكافرين وإنزال العقوبة بهم .

أى ذلكم الذي نزل بكم - أيها الكافرون - من القتل والأسر في بدر ، هو العقاب المناسب لطغيانكم وشرككم وعنادكم ، فذوقوا آلامه ، وتجرعوا غصصه ، وعيشوا في مذلته .

هذا في الدنيا ، أما في الآخرة فلكم عذاب النار الذي هو أشد وأبقى من عذاب الدنيا . فاتركوا الكفر ، وادخلوا في الإِيمان لتنجوا من العذاب وتنالوا الثواب .

قال الجمل ما ملخصه وقوله : { ذلكم فَذُوقُوهُ . . . } يجوز فيه وجوه من الأعراب أحدها أن يرفع بالابتداء والخبر محذوف أي ذلكم العقاب . الثانى : أن يرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى : العقاب ذلكم أو الأمر ذلكم وعلى هذين الوجهين يكون قوله { فَذُوقُوهُ } لا تعلق له بما قبله من جهة الاعراب فهو مستأنف ، والوقف يتم على قوله : { ذلكم } الثالث : أن يرتفع بالابتداء . والخبر قوله { فَذُوقُوهُ } وهذا على رأى الأخفش .

وقوله { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار } معطوف على قوله { ذلكم } أو منصوب على أنه مفعول معه ، والمعنى : ذوقوا ما عجل لكم مع ما أجل لكم في الآخرة ، ووضع الظاهر فيه موضع المضمر - بأن قال { فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ } ولم يقل فذوقوه وأن لكم - للدلالة على أن الكفر سبب للعذاب الآجل أو للجمع بينهما .

ومن هذا نرى أن تلك الآيات الكريمة قد ذكّرت المؤمنين الذين اشتركوا في غزوة بدر بألوان من نعم الله عليهم ، وبأنواع من البشارات التي كانت تدل على أن النصر سيكون لهم .

1- ذكّرتهم بوعد الله لهم بأن إحدى الطائفتين : العير أو النفير ستكون لهم ، وقد وفى لهم - سبحانه - بوعده ، حيث جعل النصر لهم ، ومن أوفى بعهده من الله ؟

2- وذكرتهم بإجابة الله لدعائهم ، حيث أمدهم بألف من الملائكة مردفين .

3- وذكرتهم بالنعاس الذي ألقاه - سبحانه - عليهم قبل المعركة ، ليكون أماناً لهم ، وراحة لأبدانهم .

4- وذكرتهم بنزول المطر عليهم من السماء ليكون طهارة ظاهرية وباطنية لهم ، وليكون طمأنينة لقلوبهم ، وتثبيتاً لأقدامهم .

5- وذكرتهم بأمر الله لملائكته أن يثبتوهم ، بأن يغرسوا في قلوبهم الثقة في نصر الله لهم ، والاستهانة بقوة أعدائهم .

6- وذكرتهم بما ألقاه - سبحانه - في قلوب الكافرين من رعب وفزع وجزع ، جعلهم ينهزمون أمامهم .

7- وذكرتهم بأن ما أصاب أعداء الله وأعداءهم من قتل وأسر وخسران كان سببه كفرهم وعنادهم وإيثارهم سبل الغى على سبيل الرشد ، وأنهم - إذا استمروا في كفرهم - فسيلقون في الآخرة عذاباً أشد وأبقى مما نزل في الدنيا .

ولا شك أن هذا التذكير من مقصاد الأساسية حض المؤمنين على الاستجابة لله ولرسوله : وعلى مداومة الشكر لخالقهم ، فهو - سبحانه - الذي منحهم هذه النعم الجزيلة التي تمكنوا معها من رقاب أعدائهم ، وهو الذي جعلهم يغنمون كل هذه الغنائم بعد أن خرجوا من ديارهم بلا مال ولا ظهر ولا عتاد .

هذا ، ومن الخير قبل أن ننقل من هذه الآيات إلى غيرها ، أن نتكلم بشئ من التفصيل عن مسألة كثر الحديث عنها .

وهذه المسألة هى : ماذا كانت وظيفة الملائكة في بدر ؟ أكانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين فحسب أم أنهم بجانب هذا التثبيت قاتلوا فعلا ؟ إننا بمطالعتنا لما كتبه الكاتبون عن هذه المسألة نراهم في كتابهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :

( أ ) أما القسم الأول منهم ، فيرى أن الملائكة في غزوة بدر لم تكن وظيفتهم التثبيت فحسب ، وإنما هم قاتلوا مع المؤمنين فعلا ، ويستدلوا على ذلك بأدلة من أهمها :

1- ما جاء عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أنه بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه .

إذ سمع ضربة بالوسط فوقه وقائلا يقول : أقدم حيزوم ، فخر المشرك مستلقياً فنظر إليه فإذا هو قد حطم وشق وجهه . فجاء فحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة .

2- وجاء عنه أنه قال - أيضاً - : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء ، ويوم أحد عمائم خضراء ، ولم تقاتل الملائكة في يوم سروى بدر وكانوا فيما سواه عددا ومددا .

3- وعن أبى داود المزنى قال : تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر . فوقع رأسه بين يديى قبل أن يصل إليه سيفى .

4- وروى عن عبد الله بن مسعود أن أبا جهل سأله يوم بدر : من أين كان ذلك الصومت الذي كنا نسمعه ولا نرى شخصاً ؟ فقال : من الملائكة ، فقال له أبو جهل : هم إذن غلبونا لا أنتم .

5- وقال القرطبى : وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت . ومن ذلك قول أبى أسيد مالك بن ربيعة وكان شهد بدرا : لو كانت معكم الآن ببدر ومعى بصرى لأريتكم الشعب - أي الطريق في الجبل - الذي خرجت منه الملائكة . لا أشك ولا أمارى . وعن سهل بن حنيف قال : لقد رأيتنا يوم بدر إن أحدنا يشير بسيفه إلى راس المشرك فتقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه .

هذه أهم الروايات التي استند إليها العلماء الذين يرون أن الملائكة قد قاتلوا مع المؤمنين يوم بدر ، وعلى رأس هؤلاء العلماء القرطبى ، فهو يرى أن هذا هو الصحيح وأنه رأى الجمهور .

( ب ) أما القسم الثانى من العلماء فيرى أن الملائكة لم تقاتل يوم بدر ، وإنما كانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين في المعركة ، وتقوية أرواحهم وقلوبهم ، واستدلوا على ذلك بأدلة من أهمها :

1- أنه ليس في الآيات القرآنية التي تحدثت عن غزوة بدر آية واحدة صريحة في أن الملائكة قد قاتلت بالفعل ، وإنما هى صريحة في أن الله تعالى - قد أمد المؤمنين بالملائكة ، وجعل هذا الإِمداد بشارة لهم .

قال الآلوسى عند تفسيره لقوله - تعالى - : { وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى } وفى الآية إشعار بأن الملائكة لم يباشروا قتالا ، وهو مذهب لبعضهم . ويشعر ظاهرها بأن النبى - صلى الله عليه وسلم - أخبرهم بذلك الإِمداد ، وفى الأخبار ما يؤدي ذلك .

بل جاء في غير ما خبر أن الصحابة رأوا الملائكة - عليهم السلام - .

2- أن بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن غزوة بدر قد وضحت وظيفة الملائكة توضيحاً تاماً ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } .

قال ابن جرير في معنى { فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ } قووا عزمهم ، وصححوا نياتهم في قتال أعدائهم من المشركين . .

وقال في معنى قوله - تعالى - { فاضربوا فَوْقَ الأعناق . . . } : والصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله أمر المؤمنين معلما إياهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف ، أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدى والأرجل . .

وقال الفخر الرازى : قوله { فاضربوا فَوْقَ الأعناق } فيه وجهان : الأول : أنه أمر للملائكة متصل بقوله - تعالى - { فَثَبِّتُواْ } . وقيل : بل أمر للمؤمنين ، وهذا هو الأصح لما بينا أنه - تعالى - ما أنزل الملائكة لأجل المقاتلة والمحاربة . .

3- أن الروايات التي استند إليها من قال بأن الملائكة قالت مع المؤمنين في بدر لم ترد في كتب السنة المعتمدة ، بل لم يذكر معظمها الإِمام ابن جرير مع علمنا باهتمامه بالمرويات في تفسيره . وفضلا عن ذلك فإن أكثر هذه الروايات لم تصرح بأن الملائكة قد قاتلت . فمثلا رواية أبى داود المازنى لم تصرح بأن المشرك الذي أارد هو أن يقتله قد قتله ملك . وكذلك الحال بالنسبة لروايتى أبى أسيد وسهيل بن حنيف وأما قول أبى جهل لابن مسعود : " هم إذن غلبونا - يعنى الملائكة - لا أنتم ، فنرجح أنه من باب التبرير والمغالطة . فهو يريد أن ينفى - حقداً منه وعناداً - قوة المؤمنين الذين صرعوا أمثاله من الطغاة . . " .

والخلاصة أن معظم الروايات - مع ضعفها - لم تصرح بأن الملائكة قد قاتلوا مع المؤمنين يوم بدر .

4- استبعد كثير من العلماء اشتراك الملائكة في القتال ، ومن هؤلاء العلماء الإِمام أبو بكر الأصم فقد قال :

" إن الملك الواحد يكفى في إهلاك أهل الأرض كما فعل جبريل بمدائن قوم لوظ . فإذا حضر هو يوم بدر - وجميع الروايات تذكر أنه كان على رأس الملائكة - فأى حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار ؟ بل أي حاجة حينئذ إلى إرسال سائر الملائكة ؟ وأيضاً فإن أكابر الكفار كانوا مشهورين ، وقاتل كل منهم من الصحابة معلوم .

وأيضاً لو قاتلوا فإما أن يكونوا بحيث يراهم الناس أوْلا . . وعلى الأول يكون المشاهد من عسكر الرسول ثلاثة آلاف وأكثر ، ولم يقل أحد بذلك . . وعلى الثانى كان يلزم جز الرءوس ، وتمزيق البطون ، وغسقاط الكفارمن غير مشاهدة فاعل ، ومثل هذا من أعظم المعجزات ، فكان يجب أن يتواتر ويشتهر بين المسلم والكافر والموافق والمخالف . . .

وقال صاحب المنار : مقتضى السياق أن وحى الله للملائكة { وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى } إلخ .

وقوله - تعالى - { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب . . } إلخ بدء كلام خوطب به النبى - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون تتمة للبشرى . فيكون الأمر بالضرب موجهاً إلى المؤمنين قطعاً ، وعليه المحققون الذين جزموا بأن الملائكة لم تقاتل يوم بدر تبعاً لما قبله من الآيات .

ثم قال : وفى كتب السير وصف للمعركة علم منه القاتلون والآسرون لأشد المشركين بأسا ، فهل تعارضه ذه البينات النقلية بروايات لم يرها شيخ المفسرين ابن جرير حرية بأن تنقل .

كفانا الله شر هذه الروايات الباطلة التي شوهت التفسير وقلبت الحقائق ، حتى إنها خالفت نص القرآن نفسه فالله - تعالى - يقول في إمداد الملائكة { وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ . . . } وهذه الروايات تقول بل جعله مقاتلة . وإن هؤلاء السبعين الذين قتلوا من المشركين لم يمكن قتلهم إلا باجتماع ألف أو ألوف من الملائكة عليهم مع المسلمين الذين خصهم الله بما ذكر من أسباب النصر المتعددة .

ألا إن في هذا من تعظيم شأن المشركين ، وتكبير شجاعتهم وتصغير شأن أفضل أصحاب الرسول وأشجعهم مالا يصدر عن عاقل ، إلا وقد سلب عقله لتصحيح روايات باطلة لا يصح لها سند ، ولم يرفع منها إلا حديث مرسل عن ابن عباس ذكره الآلوسى وغيره بغير سند . وابن عباس لم يحضر غزوة بدر لأنه كان صغيرا ، فرواياته عنها حتى في الصحيح مرسله . .

هذه أهم الأدلة التي استند إليها القائلون بأن الملائكة لم تقاتل يوم بدر ، وإنما كانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين ، وتقوية عزائمهم . وتصحيح نياتهم .

( ج ) أما القسم الثالث من العلماء الذين كتبوا في هذه المسألة ، فمنهم الذي اكتفى بسرد الآراء دون أن يرجح بينها ، ومن هؤلاء صاحب الكشاف ، فقد قال :

فإن قلت : هل قاتلت الملائكة يوم بدر ؟ قلت : اختلف فيه . فقيل : نزل جبريل في يوم بدر في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر ، وميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها على بن أبى طالب في صورة الرجال . فقاتلت . وقيل : قاتلت يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب . . وقيل : لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ، ويثبتون المؤمنين ، وإلا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا كلهم . .

ومنهم الذي يرى أن البحث في تفاصيل أمثال هذه المسائل ليس من الجد الذي هو طابع هذه العقيدة ، ومن هؤلاء صاحب " في ظلال القرآن " فقد قال ما ملخصه :

" تروى روايات كثيرة مفصلة عن الملائكة في يوم بدر : عددهم وطريقة مشاركتهم في المعركة . وما كانوا يقولونه للمؤمنين مثبتين ، وما كانوا يقولونه للمشركين مخذلين . ونحن - على طريقتنا في الظلال - نكتفى في مثل هذا الشأن من عوالم الغيب بما يرد في النصوص المتيقنة من قرآن أو سنة ، والنصوص القرآنية هنا فيها الكفاية : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة .

. } فهذا عددهم { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ . . } فهذا عملهم . ولا حاجة إلى التفصيل وراء هذا فإن فيه الكفاية . وبحسبنا أن تعلم أن الله لم يترك العصبة المسلمة وحدها في ذلك اليوم ، وهى قلة والاعداء كثرة ، وأن أمر هذه العصبة وأمر هذا الدين قد شارك فيه الملأ الأعلى مشاركة فعلية على النحو الذي يصفه الله سبحانه في كلماته . . إننا نؤمن بوجود خلق أسماهم الملائكة ، ولكنا لا ندرك من طبيعتهم إلا ما أخبرنا به خالقهم عنهم ، فلا نملك من إدراك الكيفية التي اشتركوا بها في نصرة المسلمين يوم بدر إلا بمقدار ما يقرره النص القرآنى . وقد أوحى إليهم ربهم : أنى معكم . وأمرهم أن يثبتوا الذين آمنوا ففعلوا .

- لأنهم يفعلون ما يؤمرون - ولكننا لا ندرى كيف فعلوا .

إن البحث التفصيلى في كيفيات هذه الأفعال كلها ليس من الجد الذي هو طابع هذه العقيدة . وطابع الحركة الواقعية بهذه العقيدة ولكن هذه المباحث صارت من باحث الفرق الإِسلامية ومباحث علم الكلام في العصور المتأخرة ، عندما فرغ الناس من الاهتمامات الإِيجابية في هذا الدين ، وتسلط الترف العقلى على النفوس والعقول . وإن وقفة أمام الدلالة الهائلة لمعية الله - سبحانه - للملائكة في المعركة ، واشتراك الملائكة فيها مع العصبة المسلمة لهى أنفع واجدى . .

وبعد فهذه أهم الأقوال التي قالها العلماء في مسألة وظيفة الملائكة في بدر ، بسطنا بشئ من التفصيل لتتضح آراؤهم فيها .

والذى نراه بعد كل ذلك : أن أقرب الأقوال إلى الصواب ، هو القول الذي ذهب أصحابه إلى أن الملائكة في بدر لم تقاتل ، وإنما كانت وظيفتهم تثبيت وتقوية عزائم المؤمنين . . . وذلك لما سبق أن بيناه من أدلة وحجج - والله أعلم بالصواب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ} (14)

( ذلكم فذوقوه ، وأن للكافرين عذاب النار ) . .

فهذه نهاية المطاف . وهذا هو العذاب الذي لا يقاس إليه ما ذقتم من الرعب والهزيمة ومن الضرب فوق الأعناق ومن ضرب كل بنان !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النّارِ } . .

يقول تعالى ذكره : هذا العقاب الذي عجلته لكم أيها الكافرون المشاقون لله ورسوله في الدنيا ، من الضرب فوق الأعناق منكم ، وضرب كلّ بنان بأيدي أوليائي المؤمنين ، فذوقوه عاجلاً ، واعلموا أن لكم في الاَجل والمعاد عذاب النار .

ولفتح «أن » من قوله : وأنّ للكافِرِينَ من الإعراب وجهان : أحدهما الرفع ، والاَخر النصب . فأما الرفع فبمعنى : ذلكم فذوقوه ، ذلكم وأن للكافرين عذاب النار بنية تكرير «ذلكم » ، كأنه قيل : ذلكم الأمر وهذا . وأما النصب فمن وجهين : أحدهما : ذلكم فذوقوه ، واعلموا ، أو وأيقنوا أن للكافرين ، فيكون نصبه بنية فعل مضمر ، قال الشاعر :

ورأيْتِ زَوْجَكِ في الوَغَى ***مُتَقَلّدًا سَيفا وَرُمْحَا

بمعنى : وحاملاً رمحا . والاَخر بمعنى : ذلكم فذوقوه ، وبأن للكافرين عذاب النار ، ثم حذفت الباء فنصبت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ} (14)

وقوله تعالى : { ذلكم فذوقوه } المخاطبة للكفار ، أي ذلك الضرب والقتل وما وأوقع الله بهم يوم بدر ، فكأنه قال الأمر ذلك فذوقوه وكذا فسره سيبويه ، وقال بعضهم : يحتمل أن يكون { ذلكم } في موضع نصب كقوله زيداً فاضربه ، وقرأ جمهور الناس «وأن » بفتح الألف ، فإما على تقدير وحتم أن . فيقدر على ابتداء محذوف يكون «أن » خبره{[5254]} ، وإما على تقدير : واعلموا أن ، فهي على هذا في موضع نصب ، وروى سليمان عن الحسن بن أبي الحسن و «إن » على القطع والاستئناف .


[5254]:- جاء في إحدى النسخ بعد هذا زيادة قوله: "وقال سيبويه: التقدير: الأمر ذلكم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ} (14)

الخطاب في { ذلكم فذوقوه } للمشركين الذين قُتلوا ، والذين قطعت بنانهم أي يقال لهم هذا الكلام حيث تُضرب أعناقهم وبنانهم بأن يُلْقى في نفوسهم حينما يصابون إن أصابتهم كانت لمشاقتهم الله ورسوله ، فإنهم كانوا يسمعون توعد الله إياهم بالعذاب والبطش كقوله : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } [ الدخان : 16 ] وقوله : { وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصُدون عن المسجد الحرام } [ الأنفال : 34 ] ونحو ذلك وكانوا لا يخلُون من اختلاج الشك نفوسهم ، فإذا رأوا القتل الذي لم يألفوه ، ورأى الواحد منهم نفسه مضروباً بالسيف ، ضرباً لا يستطيع له دفاعاً ، علم أن وعيد الله تحقق فيه ، فجاش في نفسه أن ذلك لمشاقته الله ورسوله ، ولعلهم كانوا يرون إصابات تصيبهم من غير مَرْئي ، فجملة : { ذلكم فذوقوه } مقول قول محذوف تقديره : قائلين ، هو حالَ من ضمير { فاضربوا فوق الأعناق } [ الأنفال : 12 ] .

واسم الإشارة راجع إلى الضرب المأخوذ من قوله : { فاضربوا فوق الأعناق وأضربوا منهم كل بنان } [ الأنفال : 12 ] وهو مبتدأ وخبره محذوف ، فإما أن يقدر ذلك هو العقاب الموعود ، وإما أن يكون مما دل عليْه قوله : { بأنهم شاقوا الله ورسوله } [ الأنفال : 13 ] فالتقدير ذلك بأنكم شاققتم الله ورسوله .

وتفريع { فذوقوه } على جملة : { ذلكم } بما قدر فيها تفريع للشّماتة على تحقيق الوعيد ، فصيغة الأمر مستعملة في الشماتة والإهانة ، وموقع { فذوقوه } اعتراض بين الجملة والمعطوف في قوله : { وأن للكافرين } ، والاعتراضُ يكون بالفاء كما في قول النابغة :

ضِبابِ بني الطّوَالة فاعلميه *** ولا يَغْرُرْك نأيي واغترابي

قالوا وفي قوله : { وأن للكافرين عذاب النار } للعطف على المقول فهو من جملة القول ، والتعريفُ في { الكافرين } للاستغراق وهو تذييل .

والمعنى : ذلكم ، أي ضرب الأعناق ، عقاب الدنيا ، وأن لكم عذاب النار في الآخرة مع جميع الكافرين ، والذوق مجاز في الإحساس والعلاقةُ الإطلاق .

وقوله : { وأن للكافرين عذاب النار } عطف على الخبر المحذوف أي ذلكم العذاب وأن عذاب النارِ لجميع الكافرين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ} (14)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ذلكم} القتل، {فذوقوه} يوم بدر في الدنيا، ثم قال: {وأن للكافرين} بتوحيد الله عز وجل مع القتل، وضرب الملائكة الوجوه، والأدبار أيضا، لهم في الآخرة {عذاب النار}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: هذا العقاب الذي عجلته لكم أيها الكافرون المشاقون لله ورسوله في الدنيا، من الضرب فوق الأعناق منكم، وضرب كلّ بنان بأيدي أوليائي المؤمنين، "فذوقوه "عاجلاً، واعلموا أن لكم في الآجل والمعاد عذاب النار...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله "فذوقوه "فالذوق: طلب إدراك الطعم بتناول اليسير بالفم... وإنما قال "فذوقوه" والذوق: اليسير من الطعام، لأن المعنى: كونوا للعذاب كالذائق للطعام، لأن معظمه بعده. وقيل: لأن الذائق أشد إحساسا بالطعم من المستمر عليه، فكأن حالهم أبدا حال الذائق في شدة إحساسه، نعوذ بالله منه...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار) إنما قال ذلك مبالغة في التعذيب والانتقام، والعرب تقول للعدو إذا أصابه المكروه: ذق. قال الله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم)...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ذلكم} أي هو سبحانه بما له من هذا الوصف الهائل يذيق عدوه من عذابه ما لا طاقة لهم به ولا يدان، فيصير لسان الحال مخاطباً لهم نيابة عن المقال: الأمر الذي حذرتكم منه الرسل وأتتكم به الكتب وكنتم تستهزئون به أيها الكفرة هو هذا الأمر الشديد وقعه البعيد على من ينزل عليه دفعه قد دهمكم، فما لكم لا تدافعونه! كلا والله شغل كلاًّ ما قابله ولم يقدر أن يزاوله.

ولما كان ما وقع لهم في وقعة بدر من القتل والأسر والقهر يسيراً جداً بالنسبة إلى ما لهم في الآخرة، سماه ذوقاً لأنه يكون بالقليل ليعرف به حال الكثير فقال: {فذوقوه} أي باشروه قهراً مباشرة الذائق واعلموا أنه بالنسبة إلى ما تستقبلونه كالمذوق بالنسبة إلى المذوق لأجله {وأنَّ} أي والأمر الذي أتتكم به الرسل والكتب أن لكم مع هذا الذي ذقتموه في الدنيا، هكذا كان الأصل ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً بالوصف فقال: {للكافرين} أي على كفرهم وإن لم يظهروا المشاققة {عذاب النار} وهو مواقعكم وهو أكبر وسترون.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{ذلكم فذوقوه} الخطاب للمشركين المنكسرين في غزوة بدر أي لمن بقي منهم من الأسرى والمهزومين على طريق الالتفات عن الغيبة في قوله تعالى قبله {بأنهم شاقّوا الله ورسوله} والمعنى: الأمر ذلكم- أي أن الأمر المبين آنفا وهو أن الله تعالى شديد العقاب لمن يشاقه هو ورسوله- فذوقوا هذا العقاب الشديد وهو الانكسار والانهزام مع الخزي والذل أمام فئة قليلة العدد والعدد من المسلمين، {وأن للكافرين عذاب النار} هذا عطف على ما قبله أي والأمر المقرر مع هذا العقاب الدنيوي أن للكافرين عذاب النار في الآخرة، فمن أصر منكم على كفره عذب هنالك فيها وهو شر العذابين وأدومهما، وفي الجمع بين عذاب الدنيا والآخرة للكفار آيات متفرقة في عدة سور...