قوله تعالى : { ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ } : يجوز في " ذلكم " أربعةُ أوجه أحدها : أن يكونَ مرفوعاً على خبر ابتداء مضمر أي : العقاب ذلكم أو الأمر ذلكم . الثاني : أن يرتفعَ بالابتداء والخبرُ محذوفٌ أي : ذلكُ العقابُ . وعلى هذين الوجهين فيكون قولُه " فذوقوه " لا تَعَلُّق لها بما قبلها مِنْ جهة الإِعراب . والثالث : أن يرتفع بالابتداء ، والخبرُ قوله : " فذوقوه " ، وهذا على رأي الأخفش فإنه يرى زيادة الفاء مطلقاً أعني سواءً تضمَّن المبتدأ معنى الشرط أم لا ، وأما غيرُه فلا يُجيز زيادتها إلا بشرط أن يكون المبتدأ مشبهاً لاسم الشرط ، وقد قَدَّمْتُ تقريرَه غير مرة . واستدلَّ الأخفش على جواز ذلك بقول الشاعر :
وقائلةٍ خولانُ فانكِحْ فتاتَهُمْ *** وأُكْرومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كما هيا
وخرَّجه الآخرون على إضمار مبتدأ تقديره : هذه خولان . الرابع : أن يكون منصوباً بإضمار فعل يُفَسِّره ما بعده ، ويكون من باب الاشتغال . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون نصباً على " عليكم ذلكم " كقوله : زيداً فاضربه " . قال الشيخ : " ولا يَصِحُّ هذا التقدير لأنَّ " عليكم " من أسماء الأفعال ، وأسماءُ الأفعالِ لا تُضْمَر ، فتشبيهُه بقولك : " زيداً فاضرِبْه " ليس بجيد ، لأنهم لم يُقَدِّروه ب " عليك زيداً فاضربه " وإنما هذا منصوبٌ على الاشتغال " ، قلت : يجوز أن يكون نحا الزمخشري نَحْوَ الكوفيين ، فإنهم يُجرونه مُجْرى الفعل مطلقاً ، وكذلك يُعْملونه متأخراً نحو :
{ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 24 ] .
وقال أبو البقاء : " ويجوز أن يكون في موضع نصب ، أي : ذوقوا ذلكم ، ويُجْعَلَ الفعلُ الذي بعده مفسِّراً له ، والأحسن أن يكون التقدير : باشروا ذلكم فذوقوه لتكون الفاءُ عاطفةً " . قلت : ظاهرُ هذه العبارةِ الثانية أن المسألةَ لا تكون مِن الاشتغال لأنه قَدَّر الفعلَ غيرَ موافقٍ لما بعده لفظاً مع إمكانه ، وأيضاً فقد جَعَلَ الفاءَ عاطفةً لا زائدةً ، وقد تقدَّمَ تحقيقُ الكلام في هذه الفاء عند قوله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [ البقرة : 40 ] .
قوله : { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ } الجمهور على فتح " أنَّ " وفيها تخريجات ، أحدها : أنها وما في حَيِّزها في محل رفع على الابتداء ، والخبرُ محذوفٌ تقديره : حَتْمٌ استقرارُ عذابِ النار للكافرين . والثاني : أنها خبر مبتدأ محذوف أي : الحتم/ أو الواجب أن للكافرين ، أو الواجب أن للكافرين عذاب النار . الثالث : أن تكون عطفاً على " ذلكم " في وجهَيْه ، قاله الزمخشري ، ويعني بقوله " في وجهيه " ، أي : وجهي الرفع وقد تقدَّما . الرابع : أن تكون في محلِّ نصب على المعيَّة ، قال الزمخشري : " أو نصب على أن الواو بمعنى مع ، والمعنى : ذوقوا هذا العذابَ العاجلَ مع الآجل الذي لكم في الآخرة ، فوضَع الظاهرَ موضعَ المضمر " يعني بقوله " وَضَع الظاهرَ موضعَ المضمر " أن أصلَ الكلام : فذوقوه وأن لكم ، فوضع " للكافرين " موضعَ " لكم " ، شهادةً عليهم بالكفر ومَنْبَهَةً على العلة . الخامس : أن يكون في محل نصب بإضمار اعلموا ، قال الشاعر :
تسمع للأَحْشاء منه لَغَطَاً *** ولليدين جُسْأَةً وبَدَدا
أي : وترى لليدين بَدَداً ، فأضمر " ترى " ، كذلك فذوقوه : واعلموا أنَّ للكافرين . وأنكره الزجاج أشدَّ إنكارٍ وقال : " لو جاز هذا لجاز : " زيد قائم وعمراً منطلقاً " ، أي : وترى عمراً منطلقاً ، ولا يُجيزه أحد " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.