اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ} (14)

قوله : { ذلكم فَذُوقُوهُ } يجوز في : " ذَلِكُمْ " أربعةُ أوجهٍ :

أحدها : أن يكون مرفوعاً على خبر ابتداء مضمر ، أي : العقاب ذلكم ، أو الأمر ذلكم .

الثاني : أن يرتفع بالابتداء ، والخبرُ محذوفٌ ، أي : ذلكم العقابُ وعلى هذين الوجهين ؛ فيكون قوله " فَذُوقُوهُ " لا تعلُّق لها بما قبلها من جهة الإعراب .

والثالث : أن يرتفع بالابتداء ، والخبرُ قوله : " فَذُوقُوهُ " وهذا على رأي الأخفشِ فإنَّهُ يرى زيادة الفاء مطلقاً أعني سواءً تضمَّن المبتدأ معنى الشَّرط أمْ لا ، وأمَّا غيرُهُ فلا يُجيز زيادتها إلاَّ بشرط أن يكون المبتدأ مشبهاً لاسم الشرط كما تقدَّم تقريره .

واستدلَّ الأخفشُ على ذلك بقول الشاعر : [ الطويل ]

وقَائِلَةٍ : خَولاَنُ فانْكِحْ فَتَاتَهُمْ *** وأكرُومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا{[17213]}

وخرَّجه الآخرون على إضمار مبتدأ تقديره : هذه خَوْلاَنُ .

الرابع : أن يكون منصوباً بإضمار فعل يُفسِّرهُ ما بعده ، ويكون من باب الاشتغال .

وقال الزمخشريُّ : " ويجوز أن يكون نصباً على : عليكم ذلكم فذوقوه كقولك : زيداً فاضربه " .

قال أبو حيان{[17214]} : " ولا يَصِحُّ هذا التقدير ، لأنَّ " عليكم " من أسماء الأفعال وأسماءُ الأفعالِ لا تُضْمَر ، وتشبيهُهُ بقولك : زيداً فاضربهُ ، ليس بجيّد ؛ لأنَّهم لم يُقدِّرُوهُ ب " عليك زيداً فاضربه " وإنَّما هذا منصوبٌ على الاشتغالِ " .

قال شهابُ الدِّين : يجوزُ أن يكون نَحَا الزمخشريُّ نحو الكوفيين ؛ فإنَّهم يجرونه مجرى الفعل مطلقاً ، ولذلك يُعْمِلُونه متأخراً نحو { كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ } [ النساء : 24 ] .

وقال أبُو البقاء : " ويجوز أن يكون في موضع نصب ، أي ذُوقُوا ذلكم ، ويجعل الفعلُ الذي بعده مُفَسِّراً له ، والأحسن أن يكون التقدير : بَاشِرُوا ذلكم فذوقوه ، لتكون الفاءُ عاطفةً " .

قال شهاب الدين : ظاهر هذه العبارة الثانية أن المسألة لا تكون من الاشتغال ؛ لأنه

قدَّر الفعل غير موافقٍ لما بعده لفظاً مع إمكانه ، وأيضاً فقد جعل الفاء عاطفةً لا زائدةً وقد تقدَّم تحقيقُ الكلام في هذه الفاء عند قوله : { وَإِيَّايَ فارهبون } [ البقرة : 40 ] .

قوله { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار } الجمهورُ على فتح " أنَّ " وفيها تخريجات أحدها : أنها ، وما في حيَّزها في محل رفع على الابتداء ، والخبرُ محذوفٌ تقديره : حَتْمٌ استقرارُ عذاب النار للكافرين .

الثاني : أنها خبر مبتدأ محذوف أي : الحتم ، أو الواجب أنَّ للكافرين عذاب النَّارِ .

الثالث : أن تكون عطفاً على : " ذَلِكُمْ " في وجهيه قاله الزمخشريُّ . ويعني بقوله " في وجهيه " أي : وجهي الرفع وقد تقدَّما .

الرابع : أن تكون في محلِّ نصب على المعيَّة .

قال الزمخشريُّ : " أو نصب على أنَّ الواوَ بمعنى " مع " والمعنى : ذُوقُوا هذا العذابَ العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة ، فوضع الظاهرَ موضع المضمر " : يعني بقوله : " وضع الظَّاهر موضع المضمر " أنَّ أصل الكلام فذوقوه وأنَّ لكم فوضع " لِلْكافِرينَ " موضع " لَكُمْ " شهادةً عليهم بالكفر ومنبهةً على العلّة .

الخامس : أن يكون في محل نصب بإضمار " واعلموا " .

قال الفراءُ{[17215]} : يجوزُ نصبه من وجهين :

أحدهما : على إسقاط الباء ، أي : بأنَّ للكافرين .

والثاني : على إضمارِ " اعلموا " ؛ قال الشاعر : [ الرجز ]

تَسْمَعُ للأخشَاءِ عنه لغطاً *** وللْيَديْنِ جُسْأةَ وبَدَدَا{[17216]}

أي : وترى لليدين بدَدا ، فأضمر " تَرَى " كذلك : " فَذُوقُوهُ " واعلموا : " أنَّ لِلْكافِرينَ " .

وأنكره الزجاج أشدَّ إنكارٍ .

وقال : لو جاز هذا لجاز : زيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً ، أي : وترى عمراً منطلقاً ولا يُجيزه أحدٌ .

ونبَّه بقول " فَذُوقُوه " وهو ما عجل من القتل والأسر على أنَّ ذلك يسير بالإضافة إلى عذاب القيامة فلذلك سمَّاه ذوقاً لأن الذوق لا يكون إلاَّ لتعرف الطعم ، فقوله : " فَذُوقُوهُ " يدلَّ على أنَّ الذوق يكون في إدراك غير المطعوم كقوله { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم } [ الدخان : 49 ] .


[17213]:تقدم.
[17214]:ينظر: البحر المحيط 4/466.
[17215]:ينظر: معاني القرآن للفراء 1/405.
[17216]:ينظر: البيت في معاني الفراء 1/405، 3/123 وأمالي المرتضى 2/259 والخصائص 2/432 والدر المصون 3/406.