قوله : { ذلكم فَذُوقُوهُ } يجوز في : " ذَلِكُمْ " أربعةُ أوجهٍ :
أحدها : أن يكون مرفوعاً على خبر ابتداء مضمر ، أي : العقاب ذلكم ، أو الأمر ذلكم .
الثاني : أن يرتفع بالابتداء ، والخبرُ محذوفٌ ، أي : ذلكم العقابُ وعلى هذين الوجهين ؛ فيكون قوله " فَذُوقُوهُ " لا تعلُّق لها بما قبلها من جهة الإعراب .
والثالث : أن يرتفع بالابتداء ، والخبرُ قوله : " فَذُوقُوهُ " وهذا على رأي الأخفشِ فإنَّهُ يرى زيادة الفاء مطلقاً أعني سواءً تضمَّن المبتدأ معنى الشَّرط أمْ لا ، وأمَّا غيرُهُ فلا يُجيز زيادتها إلاَّ بشرط أن يكون المبتدأ مشبهاً لاسم الشرط كما تقدَّم تقريره .
واستدلَّ الأخفشُ على ذلك بقول الشاعر : [ الطويل ]
وقَائِلَةٍ : خَولاَنُ فانْكِحْ فَتَاتَهُمْ *** وأكرُومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا{[17213]}
وخرَّجه الآخرون على إضمار مبتدأ تقديره : هذه خَوْلاَنُ .
الرابع : أن يكون منصوباً بإضمار فعل يُفسِّرهُ ما بعده ، ويكون من باب الاشتغال .
وقال الزمخشريُّ : " ويجوز أن يكون نصباً على : عليكم ذلكم فذوقوه كقولك : زيداً فاضربه " .
قال أبو حيان{[17214]} : " ولا يَصِحُّ هذا التقدير ، لأنَّ " عليكم " من أسماء الأفعال وأسماءُ الأفعالِ لا تُضْمَر ، وتشبيهُهُ بقولك : زيداً فاضربهُ ، ليس بجيّد ؛ لأنَّهم لم يُقدِّرُوهُ ب " عليك زيداً فاضربه " وإنَّما هذا منصوبٌ على الاشتغالِ " .
قال شهابُ الدِّين : يجوزُ أن يكون نَحَا الزمخشريُّ نحو الكوفيين ؛ فإنَّهم يجرونه مجرى الفعل مطلقاً ، ولذلك يُعْمِلُونه متأخراً نحو { كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ } [ النساء : 24 ] .
وقال أبُو البقاء : " ويجوز أن يكون في موضع نصب ، أي ذُوقُوا ذلكم ، ويجعل الفعلُ الذي بعده مُفَسِّراً له ، والأحسن أن يكون التقدير : بَاشِرُوا ذلكم فذوقوه ، لتكون الفاءُ عاطفةً " .
قال شهاب الدين : ظاهر هذه العبارة الثانية أن المسألة لا تكون من الاشتغال ؛ لأنه
قدَّر الفعل غير موافقٍ لما بعده لفظاً مع إمكانه ، وأيضاً فقد جعل الفاء عاطفةً لا زائدةً وقد تقدَّم تحقيقُ الكلام في هذه الفاء عند قوله : { وَإِيَّايَ فارهبون } [ البقرة : 40 ] .
قوله { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار } الجمهورُ على فتح " أنَّ " وفيها تخريجات أحدها : أنها ، وما في حيَّزها في محل رفع على الابتداء ، والخبرُ محذوفٌ تقديره : حَتْمٌ استقرارُ عذاب النار للكافرين .
الثاني : أنها خبر مبتدأ محذوف أي : الحتم ، أو الواجب أنَّ للكافرين عذاب النَّارِ .
الثالث : أن تكون عطفاً على : " ذَلِكُمْ " في وجهيه قاله الزمخشريُّ . ويعني بقوله " في وجهيه " أي : وجهي الرفع وقد تقدَّما .
الرابع : أن تكون في محلِّ نصب على المعيَّة .
قال الزمخشريُّ : " أو نصب على أنَّ الواوَ بمعنى " مع " والمعنى : ذُوقُوا هذا العذابَ العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة ، فوضع الظاهرَ موضع المضمر " : يعني بقوله : " وضع الظَّاهر موضع المضمر " أنَّ أصل الكلام فذوقوه وأنَّ لكم فوضع " لِلْكافِرينَ " موضع " لَكُمْ " شهادةً عليهم بالكفر ومنبهةً على العلّة .
الخامس : أن يكون في محل نصب بإضمار " واعلموا " .
قال الفراءُ{[17215]} : يجوزُ نصبه من وجهين :
أحدهما : على إسقاط الباء ، أي : بأنَّ للكافرين .
والثاني : على إضمارِ " اعلموا " ؛ قال الشاعر : [ الرجز ]
تَسْمَعُ للأخشَاءِ عنه لغطاً *** وللْيَديْنِ جُسْأةَ وبَدَدَا{[17216]}
أي : وترى لليدين بدَدا ، فأضمر " تَرَى " كذلك : " فَذُوقُوهُ " واعلموا : " أنَّ لِلْكافِرينَ " .
وقال : لو جاز هذا لجاز : زيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً ، أي : وترى عمراً منطلقاً ولا يُجيزه أحدٌ .
ونبَّه بقول " فَذُوقُوه " وهو ما عجل من القتل والأسر على أنَّ ذلك يسير بالإضافة إلى عذاب القيامة فلذلك سمَّاه ذوقاً لأن الذوق لا يكون إلاَّ لتعرف الطعم ، فقوله : " فَذُوقُوهُ " يدلَّ على أنَّ الذوق يكون في إدراك غير المطعوم كقوله { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم } [ الدخان : 49 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.