قوله تعالى : { وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاءً الحسنى } ، قرأ حمزة ، والكسائي وحفص ، ويعقوب : جزاءً منصوباً منوناً أي : فله الحسنى جزاء نصب على المصدر . وقرأ الآخرون : بالرفع على الإضافة ، والحسنى : الجنة أضاف الجزاء إليها ، كما قال : { ولدار الآخرة خير } [ يوسف – 9 ] ، والدار : هي الآخرة . وقيل : المراد بالحسنى على هذه القراءة : الأعمال الصالحة أي : له جزاء الأعمال الصالحة . { وسنقول له من أمرنا يسراً } أي : نلين له القول ، ونعامله باليسر من أمرنا . وقال مجاهد : يسراً أي : معروفا ً .
{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } يقتضيه إيمانه { فله } فى الدارين { جزاء الحسنى } أى : فله المثوبة الحسنى ، أو الفعلة الحسنى وهى الجنة .
{ وسنقول له } أى لمن آمن وعمل صالحا { من أمرنا } أى مما نأمره به قولا { يسرا } لا صعوبة فيه ولا مشقة ولا عسر .
فأنت ترى أن ذا القرنين قد رد بما يدل على أنه قد اتبع فى حكمه الطريق القويم ، والأسلوب الحكيم ، الذى يدل على قوة الإِيمان ، وصدق اليقين ، وطهارة النفس .
إنه بالنسبة للظالمين ، يعذب ، ويقتص ، ويرهب النفوس المنحرفة ، حتى تعود إلى رشدها ، وتقف عند حدودها .
وبالنسبة للمؤمنين الصالحين ، يقابل إحسانهم بإحسان وصلاحهم بصلاح واستقامتهم بالتكريم والقول الطيب ، والجزاء الحسن .
وهكذا الحاكم الصالح فى كل زمان ومكان : الظالمون والمعتدون . . يجدون منه كل شدة تردعهم وتزجرهم وتوقفهم عند حدودهم .
والمؤمنون والمصلحون يجدون منه كل تكريم وإحسان واحترام وقول طيب .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَمّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً الْحُسْنَىَ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } .
يقول : وأما من صدّق الله منهم ووحدّه ، وعمل بطاعته ، فله عند الله الحسنى ، وهي الجنة ، جزاء يعني ثوابا على إيمانه ، وطاعته ربه .
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل البصرة والكوفة : «فَلَهُ جَزَاءُ الحُسْنَى » برفع الجزاء وإضافته إلى الحسنى .
وإذا قرىء ذلك كذلك ، فله وجهان من التأويل :
أحدهما : أن يجعل الحسنى مرادا بها إيمانه وأعماله الصالحة ، فيكون معنى الكلام إذا أريد بها ذلك : وإما من آمن وعمل صالحا فله جزاؤها ، يعني جزاء هذه الأفعال الحسنة .
والوجه الثاني : أن يكون معنيا بالحسنى : الجنة ، وأضيف الجزاء إليها ، كما قيل وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ والدار : هي الاَخرة ، وكما قال : وَذلكَ دِينُ القَيّمَة والدين : هو القيم .
وقرأ آخرون : فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنى بمعنى : فله الجنة جزاء فيكون الجزاء منصوبا على المصدر ، بمعنى : يجازيهم جزاء الجنة .
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأه : فَلَهُ جَزاءً الحُسْنَى بنصب الجزاء وتنوينه على المعنى الذي وصفت ، من أن لهم الجنة جزاء ، فيكون الجزاء نصبا على التفسير .
وقوله : وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أمْرِنا يُسْرا يقول : وسنعلمه نحن في الدنيا ما تيسر لنا تعليمه مما يقرّ به إلى الله ويلين له من القول . وكان مجاهدا يقول نحوا مما قلنا في ذلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مِنْ أمْرِنا يُسْرا قال معروفا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
{ وأما من آمن وعمل صالحا } وهو ما يقتضيه الإيمان . { فله } في الدارين . { جزاء الحسنى } فعلته الحسنى . وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص " جزاء " منونا منصوبا على الحال أي فله المثوبة الحسنى مجزيا بها ، أو على المصدر لفعله المقدر حالا أي يجزي بها جزاء أو التمييز ، وقرئ منصوبا غير منون على أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين ومنونا مرفوعا على أنه المبتدأ و{ الحسنى } بدله ، ويجوز أن يكون { أما } وما للتقسيم دون التخيير أي ليكن شأنك معهم أما التعذيب وإما الإحسان ، فالأول لمن أصر على الكفر والثاني لمن تاب عنه ، ونداء الله إياه إن كان نبيا فبوحي وإن كان غيره فبإلهام أو على لسان نبي . { وسنقول له من أمرنا } بما نأمر به . { يُسراً } سهلا ميسرا غير شاق وتقديره ذا يسر ، وقرئ بضمتين .
قرأ الجمهور { جزاءُ الحسنى بإضافة جزاء إلى الحسنى على الإضافة البيانية . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف جزاءً الحسنى بنصب جزاءً منوناً على أنه تمييز لنسبة استحقاقه الحسنى ، أو مصدر مؤكد لمضمون جملة فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى } ، أو حال مقدمة على صاحبها باعتبار تعريف الجنس كالتنكير .
وتأنيث { الحُسْنَى } باعتبار الخصلة أو الفعلة . ويجوز أن تكون { الحسنى } هي الجنة كما في قوله { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [ يونس : 26 ] .
والقول اليسر : هو الكلام الحسن ، وصف باليسر المعنوي لكونه لا يثقل سماعه ، وهو مثل قوله تعالى : { فقل لهم قولاً ميسوراً } [ الإسراء : 28 ] أي جميلاً .
فإن كان المراد من { الحسنى } الخصال الحسنى ، فمعنى عطف { وسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أمْرِنَا يُسْراً } أنه يجازَى بالإحسان وبالثناء ، وكلاهما من ذي القرنين ، وإن كان المراد من { الحُسْنَى } ثواب الآخرة فذلك من أمر الله تعالى وإنما ذو القرنين مُخبر به خبراً مستعملاً في فائدة الخبر ، على معنى . إنا نُبشره بذلك ، أو مستعملاً في لازم الفائدة تأدباً مع الله تعالى ، أي أني أعلم جزاءه عندك الحسنى .
وعطف عليه { وسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } لبيان حظ الملك من جزائه وأنه البشارة والثناء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.