اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَمَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُۥ جَزَآءً ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَسَنَقُولُ لَهُۥ مِنۡ أَمۡرِنَا يُسۡرٗا} (88)

قوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً الحسنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } .

{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً الحسنى } الآية .

قوله : { جَزَآءً الحسنى } قرأ{[21298]} الأخوان ، وحفص بنصب " جزاءً " وتنوينه ، والباقون برفعه مضافاً ، فالنصب على المصدر المؤكِّد لمضمون الجملة ، أو بنصب بمضمرٍ ، أو مؤكدٍ لعامل من لفظه مقدَّر ، أي : يجزي جزاء ، وتكون الجملة معترضة بين المبتدأ وخبره المقدَّم عليه ، وقد يعترض على الأول : بأنَّ المصدر المؤكِّد لمضمون جملة لا يتقدَّم عليها ، فكذا لا يتوسَّطُ ، وفيه نظر يحتمل الجواز والمنع ، وهو إلى الجواز أقرب .

الثالث : أنه في موضع الحال .

الرابع : نصبه على التفسير ، قاله الفراء{[21299]} ؛ يعني التمييز ، وهو بعيد .

وقرأ{[21300]} ابن عباس ، ومسروق بالنصب والإضافة ، وفيها تخريجان :

أحدهما : أن المبتدأ محذوف ، وهو العامل في " جزاءَ الحُسْنى " التقدير : فله الجزاء جزاء الحسنى .

والثاني : أنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين ؛ كقوله : [ المتقارب ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . *** ولا ذَاكِرَ الله إلاَّ قَلِيلا{[21301]}

ذكره المهدويُّ .

والقراءة الثانية رفعه فيها على الابتداء ، والخبر الجار قبله ، و " الحُسْنَى " مضاف إليها ، والمراد بالحسنى الجنَّة ، وقيل : الفعلة الحسنى .

وقرأ عبد الله ، وابن أبي إسحاق{[21302]} " جزاءٌ " مرفوعاً منوناً على الابتداء ، و " الحُسْنَى " بدلٌ ، أو بيان ، أو منصوبة بإضمار " أعْنِي " أو خبر مبتدأ مضمرٍ .

و " يُسْراً " نعت مصدر محذوف ، أي : قولاً ذا يسرٍ ، وقرأ أبو جعفر بضم السين في اليُسُر حيث ورد .

فصل في اختلاف معنى الآية باختلاف القراءة

قال المفسرون : المعنى على قراءة النصب : فله الحسنى جزاء ؛ كما يقال : لك هذا الثوب هبةً .

وعلى قراءة الرفع ، فيه وجهان :

أحدهما : فله الجزاءُ الحسنى ، والفعلةُ الحسنى : هي الإيمانُ ، والعمل الصَّالح .

والثاني : فلهُ جزاء المثوبة الحسنى ، وإضافة الموصوف إلى الصِّفة مشهورةٌ ؛ كقوله : { وَلَدَارُ الآخرة } [ يوسف : 109 ] . و { حَقُّ اليقين } [ الواقعة : 95 ] .

وقوله : { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } الآية ، أي : لا نأمرهُ بالصَّعب الشَّاق ، ولكن بالسَّهل الميسَّر من الزَّكاة ، والخراج وغيرهما ، وتقديره : ذا يسر ؛ كقوله : { قَوْلاً مَّيْسُوراً } [ الإسراء : 28 ] .


[21298]:ينظر: السبعة 398، والنشر 2/315، والتيسير 145، والحجة 430، والحجة للقراء السبعة 5/170، وإعراب القراءات 1/416، والقرطبي 11/36، والبحر 6/152.
[21299]:ينظر: معاني القرآن للفراء 2/159.
[21300]:ينظر: البحر 6/152، والدر المصون 4/480.
[21301]:تقدم.
[21302]:ينظر: القرطبي 11/36، والبحر 6/152، والدر المصون 4/480.