معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (5)

قوله تعالى : { ربنا لا تجعلنا فتنةً للذين كفروا } قال الزجاج : لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتنوا وقال مجاهد : لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولون : لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم ذلك . { واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (5)

{ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } والفتنة هنا مصدر بمعنى المفتون ، أى : المعذب ، مأخوذ من فتن فلان الفضة إذا أذابها .

أى : يا ربنا لا تجعلنا مفتونين معذبين لهؤلاء الكافرين ، بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نستطيع صده ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات . . } أى : عذبوهم وحاولوا إنزال الضرر والأذى بهم .

ويصح أن يكون المعنى : يا ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ، بأن تعذبنا بأيديهم ، فيظنوا بسبب ذلك أنهم على الحق ، ونحن على الباطل ، ويزعموا أننا لو كنا على الحق ما انتصروا علينا .

ولبعض العلماء رأى آخر فى فهم هذه الآية ، وهو أن المراد بالفتنة هنا : اضطراب حال المسلمين وفساده . وكونهم لا يصلحون أن يكونوا قدوة لغيرهم فى وجوه الخير . . . فيكون المعنى : يا ربنا لا تجعل أعمالنا وأقوالنا سيئة . فيترتب على ذلك أن ينفر الكافرون من ديننا ، بحجة أنه لو كان دينا سليما ، لظهر أثر ذلك على أتباعه ، ولكانوا بعيدين عن كل تفرق وتباعد وتأخر .

قال بعض العلماء ما ملخصه : قوله : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } . الفتنة : اضطراب الحال وفساده ، وهى اسم مصدر ، فتجىء بمعنى المصدر ، كقوله - تعالى - : { والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل } وتجىء وصفاً للمفتون والفاتن .

ومعنى جعلهم فتنة للذين كفروا : جعلهم مفتونين يفتنهم الذين كفروا ، فيصدق ذلك بأن يتسلط عليهم الذين كفروا فيفتنون .

ويصدق - أيضا - بأن تختل أمور دينهم بسبب الذين كفروا . أى : بسبب محبتهم والتقرب منهم .

وعلى الوجهين ، فالفتنة من إطلاق المصدر على اسم المفعول . . . واللام في { الذين كفروا } على الوجهين - أيضا - للملك ، أى : مفتونين مسخرين لهم .

ويجوز عندى أن تكون " فتنة " مصدرا بمعنى اسم الفاعل ، أي : لا تجعلنا فاتنين ، أي : سبب فتنة للذين كفروا ، فيكون كناية عن معنى : لا تغلب الذين كفروا علينا ، واصرف عنا ما يكون من اختلال أمرنا ، وسوء الأحوال ، كى لا يكون شىء من ذلك فاتنا للذين كفروا .

. . أي : يزيدهم كفرا ، لأنهم يظنون أنا على الباطل وأنهم على الحق .

وقوله : { واغفر لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم } أى : واغفر لنا يا ربنا ذنوبنا ، إنك أنت الغالب الذى لا يغالب ، الحكيم فى كل أقواله وأفعاله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (5)

5-6

القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلّذِينَ كَفَرُواْ وَاغْفِرْ لَنَا رَبّنَآ إِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَمَن يَتَوَلّ فَإِنّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم خليله والذين معه : يا ربّنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا بك فجحدوا وحدانيتك ، وعبدوا غيرك ، بأن تسلطهم علينا ، فيروا أنهم على حقّ ، وأنا على باطل ، فتجعلنا بذلك فتنة لهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا }قال لا تعذّبنا بأيديهم ، ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حقّ ما أصابهم هذا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { رَبّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا }قال : يقول : لا تظهرهم علينا فيَفْتَتنوا بذلك . يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقّ هم عليه .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا }يقول : لا تسلّطْهم علينا فيفتنونا .

وقوله : { وَاغُفِرْ لَنا رَبّنا }يقول : واستر علينا ذنوبنا بعفوك لنا عنها يا ربنا ، { إنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ }يعني الشديد الانتقام ممن انتقم منه ، الحكيم : يقول الحكيم في تدبيره خلقه ، وصرفه إياهم فيما فيه صلاحهم .