أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرٗا} (69)

{ قال ستجدني إن شاء الله صابرا } معك غير منكر عليك . { ولا أعصي لك أمرا } عطف على صابرا أي ستجدني صابرا وغير عاص ، أو على ستجدني . وتعليق الوعد بالمشيئة أما للتيمن وخلفه ناسيا لا يقدح في عصمته أو لعلمه بصعوبة الأمر ، فإن مشاهدة الفساد والصبر على خلاف المعتاد شديد فلا خلف ، وفيه دليل على أن أفعال العباد واقعة بمشيئة الله تعالى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرٗا} (69)

قوله : { ستجدني إن شاء الله صابراً } أبلغ في ثبوت الصبر من نحو : سأصبر ، لأنه يدل على حصول صبر ظاهر لرفيقه ومتبوعه . وظاهر أن متعلق الصبر هنا هو الصبر على ما من شأنه أن يثير الجزع أو الضجر من تعب في المتابعة ، ومن مشاهدة ما لا يتحمله إدراكه ، ومن ترقب بيان الأسباب والعلل والمقاصد .

ولما كان هذا الصبر الكامل يقتضي طاعة الآمِر فيما يأمره به عطف عليه ما يفيد الطاعة إبلاغاً في الاتسام بأكمل أحوال طالب العلم .

فجملة { ولا أعصي لك أمراً } معطوفة على جملة { ستجدني } ، أو هو من عطف الفعل على الاسم المشتق عطفاً على { صابراً } فيؤوَّل بمصدر ، أي وغير عاص . وفي هذا دليل على أن أهم ما يتسم به طالب العلم هو الصبر والطاعة للمعلم .

وفي تأكيده ذلك بالتعليق على مشيئة الله استعانةً به وحرصاً على تقدم التيْسير تأدباً مع الله إيذانٌ بأن الصبر والطاعة من المتعلم الذي له شيء من العلم أعسر من صبر وطاعة المتعلم الساذج ، لأن خلو ذهنه من العلم لا يحرجه من مشاهدة الغرائب ، إذ ليس في ذهنه من المعارف ما يعارض قبولها ، فالمتعلم الذي له نصيب من العلم وجاء طالباً الكمال في علومه إذا بدا له من علوم أستاذه ما يخالف ما تقرر في علمه يبادر إلى الاعتراض والمنازعة . وذلك قد يثير النفرة بينه وبين أستاذ ، فلتجنب ذلك خشي الخضر أن يلقَى من موسى هذه المعاملة فقال له : { إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } ، فأكد له موسى أنه يصبر ويطيع أمره إذا أمره . والتزام موسى ذلك مبني على ثقته بعصمة متبوعه لأن الله أخبره بأنه آتاه علماً .