{ قال } له موسى عليه السلام آتياً بنهاية التواضع لمن هو أعلم منه إرشاداً لما ينبغي في طلب العلم رجاء تسهيل اللّه تعالى له النفع به { ستجدني } فأكد الوعد بالسين ثم أخبر تعالى أنه قوّي تأكيده بالتبرك بذكر الله تعالى لعلمه بصعوبة الأمر على الوجه الذي تقدّم الحق عليه في هذه السورة في قوله تعالى : { ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء اللّه } ليعلم أنه منهاج الأنبياء فقال : { إن شاء اللّه } أي : الذي له صفات الكمال { صابراً } على ما يجوز الصبر عليه ثم زاد التأكيد بقوله : عطفاً بالواو على صابراً لبيان التمكن في كل من الموضعين { ولا أعصي } أي : وغير عاص { لك أمراً } تأمرني به غير مخالف لظاهر أمر اللّه تعالى .
تنبيه : دلت هذه الآية الكريمة على أنّ موسى عليه السلام راعى أنواعاً كثيرة من الأدب واللطف عندما أراد أن يتعلم من الخضر ، منها أنه جعل نفسه تبعاً له بقوله : { هل أتبعك } ومنها أنه استأذن في إثبات هذه التبعية كأنه قال : هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعاً لك ؟ وهذه مبالغة عظيمة في التواضع ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : { على أن تعلمني } وهذا إقرار منه على نفسه بالجهل وعلى أستاذه بالعلم ، ومنها قوله : { مما علمت } وصيغة من للتبعيض وطلب منه تعليم بعض ما علم ، وهذا أيضاً إقرار بالتواضع كأنه يقول : لا أطلب منك أن تجعلني مساوياً لك في العلم بل أطلب منك أن تعطيني جزءاً من أجزاء ما علمت ، ومنها أن قوله : { مما علمت } اعتراف منه بأن اللّه تعالى علمه ذلك العلم ، ومنها قوله : { رشداً } طلب منه الإرشاد والهداية ، ومنها قوله : { ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً } ، ومنها أنه ثبت بالأخبار أن الخضر عرف أولاً أن موسى صاحب التوراة وهو الرجل الذي كلمه اللّه من غير واسطة وخصه بالمعجزات القاهرة الباهرة ، ثم إنه عليه السلام مع هذه المناصب الرفيعة والدرجات العالية الشريفة أتى بهذه الأنواع الكثيرة من التواضع ، وذلك يدل على كونه عليه السلام آتياً في طلب العلم بأعظم أبواب المبالغة في التواضع وذلك يدل على أن هذا هو اللائق به ، لأن كل من كانت إحاطته بالعلوم التي علم ما فيها من البهجة والسعادة أكثر كان طلبه لها أشدّ ، فكان تعظيمه لأرباب العلم أكمل وأرشد ، وكل ذلك يدل على أنّ الواجب على المتعلم إظهار التواضع بكل الغايات ، وأمّا المعلم فإن رأى أن في التغليظ على المتعلم ما يفيد نفعاً وإرشاداً إلى الخير فالواجب عليه ذكره فإنّ السكوت عنه يوقع المتعلم في الغرور وذلك يمنعه من التعلم . وروي أن موسى لما قال : { هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً } قال له الخضر : كفى بالتوراة علماً وببني إسرائيل شغلاً ، فقال له موسى : اللّه أمرني بهذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.