مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرٗا} (69)

ثم حكى الله تعالى عن موسى أنه قال : { ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : احتج الطاعنون في عصمة الله الأنبياء بهذه الآية فقالوا : إن الخضر قال لموسى : { إنك لن تستطيع معي صبرا } وقال موسى : { ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا } وكل واحد من هذين القولين يكذب الآخر فيلزم إلحاق الكذب بأحدهما وعلى التقديرين فيلزم صدور الكذب عن الأنبياء عليهم السلام ، والجواب أن يحمل قوله : { إنك لن تستطيع معي صبرا } على الأكثر الأغلب وعلى هذا التقدير فلا يلزم ما ذكروه .

المسألة الثانية : لفظة إن كان كذا تفيد الشك فقوله : { ستجدني إن شاء الله صابرا } معناه ستجدني صابرا إن شاء الله كوني صابرا ، وهذا يقتضي وقوع الشك في أن الله هل يريد كونه صابرا أم لا . ولا شك أن الصبر في مقام التوقف واجب ، فهذا يقتضي أن الله تعالى قد لا يريد من العبد ما أوجبه عليه ، وهذا يدل على صحة قولنا : إن الله تعالى قد يأمر بالشيء مع أنه لا يريده ، قالت المعتزلة : هذه الكلمة إنما تذكر رعاية للأدب فيما يريد الإنسان أن يفعله في المستقبل فيقال لهم هذا الأدب إن صح معناه فقد ثبت المطلوب ، وإن فسد فأي أدب في ذكر هذا الكلام الباطل ؟

المسألة الثالثة : قوله تعالى : { ولا أعصى لك أمرا } يدل على أن ظاهر الأمر يفيد الوجوب لأن تارك المأمور به عاص بدلالة هذه الآية ، والعاصي يستحق العقاب لقوله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم } وهذا يدل على أن ظاهر الأمر يفيد الوجوب .

المسألة الرابعة : قول الخضر لموسى عليه السلام : { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } نسبة إلى قلة العلم والخبر ، وقول موسى له : { ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا } تواضع شديد وإظهار للتحمل التام والتواضع الشديد ، وكل ذلك يدل على أن الواجب على المتعلم إظهار التواضع بأقصى الغايات ، وأما المعلم فإن رأى أن في التغليظ على المتعلم ما يفيده نفعا وإرشادا إلى الخير . فالواجب عليه ذكره فإن السكوت عنه يوقع المتعلم في الغرور والنخوة وذلك يمنعه من التعلم