قوله : { ستجدني إِن شَآءَ الله صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } . قال ابن الخطيب : احتج الطاعنون في عصمةِ الأنبياء بهذه الآية ؛ فقالوا إن الخضر قال لموسى : إنَّك لنْ تستطيعَ معي صبراً ، وقال موسى : ستجدني إن شاء الله صابراً ، وكلُّ واحدٍ من هذين القولين مكذبٌ للآخر ، فيلزمُ إلحاقُ الكذب بأحدهما ، وعلى التَّقديرين ، فيلزم صدور الكذب عن الأنبياء - عليهم السلام- .
وأجيب بأنَّه يحمل قوله : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } على الأكثر والأغلب ، وعلى هذا ، فلا يلزم ما ذكروه ، وقد يجاب بجواب آخر ، وهو أن موسى - عليه السلام - استثنى في جوابه ، فقال : { ستجدني إِن شَآءَ الله صَابِراً } وعلى هذا ، فلا يلزمُ ما ذكروه .
قوله : { وَلاَ أَعْصِي } فيه أربعة أوجهٍ :
أحدها : أنَّها لا محلَّ لها من الإعراب لاستئنافها ، وفيه بعدٌ .
الثاني : أنها في محلِّ نصبٍ ؛ عطفاً على ستجدني ؛ لأنها منصوبة المحلِّ بالقول .
وقال أبو حيَّان : ويجوز أن يكون معطوفاً على " ستجدني " فلا يكون لهُ محلٌّ من الإعراب ، وهذا سهوٌ ؛ فإنَّ " سَتجِدُنِي " منصوب المحلِّ ؛ لأنه منصوب بالقول ، فكذلك ما عطف عليه ، ولكنَّ الشيخ رأى كلام الزمخشريِّ كذلك ، ولم يتأمَّله ، فتبعه في ذلك ، فمن ثمَّ جاء السَّهوُ قال الزمخشري : " ولا أعْصِي " في محلِّ النصب عطفاً على " صَابِراً " أي : ستجدني صابراً ، وغير عاصٍ أو " لا " في محل رفع عطفاً على " سَتجدُنِي " .
الثالث : أنه في محلِّ نصب على " صَابِراً " كما تقدَّم تقريره .
دلَّ قوله : { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } على أنَّ ظاهر الأمر للوجوب ، وأن تارك المأمور به عاصٍ ، والعاصي يستحقُّ العقاب ؛ كقوله تعالى : { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } [ الجن : 23 ] .
قوله الخضر لموسى : " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً " نسبه إلى قلة العلم ، فقول موسى : ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً تواضعٌ شديد ، وإظهار للتَّحمل التَّام ، وذلك يدلُّ على أنَّ الواجب على المتعلِّم إظهار التواضع بكلِّ الغايات ، وأمَّا المعلم فإن رأى أنَّ في التغليظ على المتعلِّم ما يفيده نفعاً وإرشاداً إلى الخير ، فالواجب عليه ذكره ، فإنَّ السُّكوت عنه يوقع المتعلِّم في الغرور ، وذلك يمنع من التعلُّم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.