اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرٗا} (69)

قوله : { ستجدني إِن شَآءَ الله صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } . قال ابن الخطيب : احتج الطاعنون في عصمةِ الأنبياء بهذه الآية ؛ فقالوا إن الخضر قال لموسى : إنَّك لنْ تستطيعَ معي صبراً ، وقال موسى : ستجدني إن شاء الله صابراً ، وكلُّ واحدٍ من هذين القولين مكذبٌ للآخر ، فيلزمُ إلحاقُ الكذب بأحدهما ، وعلى التَّقديرين ، فيلزم صدور الكذب عن الأنبياء - عليهم السلام- .

وأجيب بأنَّه يحمل قوله : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } على الأكثر والأغلب ، وعلى هذا ، فلا يلزم ما ذكروه ، وقد يجاب بجواب آخر ، وهو أن موسى - عليه السلام - استثنى في جوابه ، فقال : { ستجدني إِن شَآءَ الله صَابِراً } وعلى هذا ، فلا يلزمُ ما ذكروه .

قوله : { وَلاَ أَعْصِي } فيه أربعة أوجهٍ :

أحدها : أنَّها لا محلَّ لها من الإعراب لاستئنافها ، وفيه بعدٌ .

الثاني : أنها في محلِّ نصبٍ ؛ عطفاً على ستجدني ؛ لأنها منصوبة المحلِّ بالقول .

وقال أبو حيَّان : ويجوز أن يكون معطوفاً على " ستجدني " فلا يكون لهُ محلٌّ من الإعراب ، وهذا سهوٌ ؛ فإنَّ " سَتجِدُنِي " منصوب المحلِّ ؛ لأنه منصوب بالقول ، فكذلك ما عطف عليه ، ولكنَّ الشيخ رأى كلام الزمخشريِّ كذلك ، ولم يتأمَّله ، فتبعه في ذلك ، فمن ثمَّ جاء السَّهوُ قال الزمخشري : " ولا أعْصِي " في محلِّ النصب عطفاً على " صَابِراً " أي : ستجدني صابراً ، وغير عاصٍ أو " لا " في محل رفع عطفاً على " سَتجدُنِي " .

الثالث : أنه في محلِّ نصب على " صَابِراً " كما تقدَّم تقريره .

فصل

دلَّ قوله : { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } على أنَّ ظاهر الأمر للوجوب ، وأن تارك المأمور به عاصٍ ، والعاصي يستحقُّ العقاب ؛ كقوله تعالى : { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } [ الجن : 23 ] .

فصل

قوله الخضر لموسى : " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً " نسبه إلى قلة العلم ، فقول موسى : ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً تواضعٌ شديد ، وإظهار للتَّحمل التَّام ، وذلك يدلُّ على أنَّ الواجب على المتعلِّم إظهار التواضع بكلِّ الغايات ، وأمَّا المعلم فإن رأى أنَّ في التغليظ على المتعلِّم ما يفيده نفعاً وإرشاداً إلى الخير ، فالواجب عليه ذكره ، فإنَّ السُّكوت عنه يوقع المتعلِّم في الغرور ، وذلك يمنع من التعلُّم .