أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

{ ونادوا يا مالك } وقرئ " يا مال " على الترخيم مكسورا ومضموما ، ولعله إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا فقالوا : { ليقض علينا ربك } والمعنى سل ربنا أن يقضي علينا من قضى عليه إذا أماته ، وهو لا ينافي إبلاسهم فإنه جؤار وتمن للموت من فرط الشدة { قال إنكم ماكثون } لا خلاص لكم بموت ولا بغيره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

ثم ذكر تعالى عن أهل النار أنهم ينادون مالكاً خازن النار ، فيقولون على معنى الرغبة التي هي في صيغة الأمر { ليقض علينا ربك } أي ليمتنا مرة حتى يتكرر عذابنا .

وقرأ النبي عليه السلام على المنبر : «يا مالكٍ » بالكاف ، وهي قراءة الجمهور . وقرأ ابن مسعود ويحيى والأعمش : «يا مال » بالترخيم ، ورويت عن علي بن أبي طالب ، ورواها أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والقضاء في هذه الآية بمعنى الموت ، كما قال تعالى : { فوكزه موسى فقضى عليه } [ القصص : 15 ] وروي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أن مالكاً يقيم بعد سؤالهم ألف سنة ، وقال نوف : مائة سنة ، وقيل : ثمانين سنة . وقال عبد الله بن عمر : وأربعين سنة ، ثم حينئذ يقول لهم : { إنكم ماكثون } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

جملة { ونادوا } حال من ضمير { وهم فيه مبلسون } [ الزخرف : 75 ] ، أو عطف على جملة { وهم فيه مبلسون } . وحكي نداؤهم بصيغة الماضي مع أنه مما سيقع يوم القيامة ، إما لأن إبلاسهم في عذاب جهنم وهو اليأس يكون بعد أن نادوا يا مالك وأجابهم بما أجاب به ، وذلك إذا جعلت جملة { ونادوا } حالية ، وإمّا لتنزيل الفعل المستقبل منزلة الماضي في تحقيق وقوعه تخريجاً للكلام على خلاف مقتضى الظاهر نحو قوله تعالى : { ويوم ينفخ في الصور } [ النمل : 87 ] { فصَعِق مَن في السماوات ومَن في الأرض } [ الزمر : 68 ] وهذا إن كانت جملة { ونادوا } الخ معطوفة .

و ( مالك ) المنادى اسم الملَك الموكّل بجهنم خاطبوه ليرفع دعوتهم إلى الله تعالى شفاعة .

واللام في { ليقض علينا ربك } لام الأمر بمعنى الدعاء . وتوجيه الأمر إلى الغائب لا يكون إلا على معنى التبليغ كما هنا ، أو تنزيل الحاضر منزلة الغائب لاعتبار مَّا مثل التعظيممِ في نحو قول الوزير للخليفة : لِيَرَ الخليفة رأيه .

والقضاء بمعنى : الإماتة كقوله : { فوكزه موسى فقضَى عليه } [ القصص : 15 ] ، سألوا الله أن يزيل عنهم الحياة ليستريحوا من إحساس العذاب . وهم إنما سألوا الله أن يميتهم فأجيبوا بأنهم ماكثون جواباً جامعاً لنفي الإماتة ونفي الخروج فهو جواب قاطع لما قد يسألونه من بعدُ .

ومن النوادر المتعلقة بهذه الآية ما روي أن ابن مسعود قرأ ( ونادَوا يا مَالِ ) بحذف الكاف على الترخيم ، فذكرت قراءته لابن عباس فقال : مَا كان أشغلَ أهلَ النار عَن الترخيم ، قال في « الكشاف » : وعن بعضهم : حسَّن الترخيم أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وعظم ما هم فيه اهـ . وأراد ببعضهم ابنَ جني فيما ذكره الطِّيبي أن ابن جنّي قال : وللترخيم في هذا الموضع سرّ وذلك أنهم لعظم ما هم عليه ضعفتْ وذلّتْ أنفُسهم وصغر كلامهم فكان هذا من مواضع الاختصار . وفي « صحيح البخاري » عن يَعْلَى بن أمية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر { ونادوا يا مالك } بإثبات الكاف . قال ابن عطية : وَقِرَاءَةُ ( ونادوا يا مال ) رواها أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالوجهين وتواترت قراءة إثبات الكاف وبقيت الأخرى مروية بالآحاد فلم تكن قرآناً .