نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ} (56)

ولما كانوا من الكثرة والقوة بمكان كان كأنه قيل : كيف يغلبون ؟ فقال جواباً عن ذلك : { الملك يومئذ } أي يوم إذ يأتيهم ذلك إما في القيامة أو في الدنيا { لله } أي المحيط بجميع صفات الكمال وحده بتغليب اسمه الظاهر ، بأن يجري أمره فيه على غير الأسباب التي تعرفونها .

ولما كان كأنه قيل : ما معنى اختصاصه به وكل الأيام له ؟ قيل : { يحكم بينهم } أي بين المؤمنين والكافرين بالأمر الفيصل ، لا حكم فيه ظاهراً ولا باطناً لغيره ، كما ترونه الآن ، بل يمشي فيه الأمر على أتم قوانين العدل ، ولذلك سبب ظهور العدل عنه قوله مفصلاً بادئاً . إظهاراً لتفرده بالحكم بإكرام من كانوا قاطعين بهوانهم في الدارين مع أن تقديمهم أوفق لمقصود السورة : { فالذين آمنوا وعملوا } أي وصدقوا دعواهم الإيمان بأن عملوا { الصالحات } وهي ما أمرهم الله به .

ولما كانت إثابته تعالى لأهل طاعته تفضلاً منه ، نبه على ذلك بإعراء الخبر عن الفاء السببية بخلاف ما يأتي في حق الكفار فقال : { في جنات النعيم* } في الدنيا مجازاً ، لمآلهم إليهم مع ما يجدونه من لذة المناجاة واستشعار القرب وفي الآخرة حقيقة بما رحمهم الله به من توفيقهم للأعمال الصالحة