نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (38)

ولما دل على مطلق تسخيرهم ، دل على أنه قهر وغلبة كما هو شأن أيالة الملك وصولة العز فقال : { وآخرين } أي سخرناهم له من الشياطين حال كونهم { مقرنين } بأمره إلى من يشاكلهم أو مقرونة أيديهم بأرجلهم أو بأعناقهم ، وعبر به مثقلاً دون " مقرونين " مثلاً إشارة إلى شدة وثاقهم وعظيم تقرينهم . ولما كانت مانعة لهم من التصرف في أنفسهم ، جعلوا كأنهم بأجمعهم فيها وإن لم يكن فيها إلا بعض أعضائهم مثل{ جعلوا أصابعهم في آذانهم }[ نوح : 7 ] فقال : { في الأصفاد } أي : القيود التي يوثق بها الأسرى من حديد أو قيد أو غير ذلك ، جمع صفد - بالتحريك ، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن عفريتاً من الجن تفلت عليّ البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان { هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } فرددته خاسئاً " ، وقد حكمه الله في بعض الجن ، فحمي من الذين يطعنون دار مولده ودار هجرته ، روى أحمد في مسنده بسند حسن إن شاء الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة ، على كل نقب منهما ملك ، فلا يدخلهما الدجال ولا الطاعون " هذا في البلدين ، وأما المدينة خاصة ففيها أحاديث عدة عن عدة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما ، وقد عوض الله نبينا صلى الله عليه وسلم عن الشياطين التأييد بجيوش الملائكة في غزواته ، وقد كان نبينا عبداً كما اختار فلم يكن له حاجة بغير ذلك .