اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (38)

قوله : { وَآخَرِينَ } عطف على «كُلَّ » فهو داخل في حكم البدل وتقدم شرح «مُقَرَّنِينَ في الأصْفَادِ » آخِرَ سورة إبراهيم .

فصل :

قال ابن الخطيب : دلت هذه الآية على أن الشياطين لها قوة عظيمة قدروا بها على بناء تلك الأبنية العظيمة التي لا يقدر عليها البَشَر ، وقدروا على الغوص في البحار واستخراج الآلئ وقيدهم سليمان - عليه ( الصلاة و ) السلام- . ولقائل أن يقول : هذه الشياطين إما أن تكون أجسادهُم كثيفةً أو لطيفةً ؛ فإن كانت كثيفة وجب أن يراهم من كان شديد الحاسّة ؛ إذْ لو جاز أن لا نراهم مع كثافة أجْسادهم فليَجُزْ أن تكون بحضرتنا جبال عالية وأصوات هائلة ولا نراها ولا نسمعها وذلك دخول في السَّفْسَطَةِ وإن كانت أجسادهم لطيفةً فمثل هذا يمتنع أن يكون موصوفاً بالقوة الشديدة ، ويلزم أيضاً أن تتفرق أجسادُهُمْ وأن تَتَمزَّق بالرِّياح العاصفة القوية وأن يموتوا في الحال وذلك يمنع وصفهم بالقوة وأيضاً فالجِنّ والشياطين وإن كانوا موصوفين بهذه القوة والشدة فِلَمَ لا يقتلون العُلَمَاء والزُّهَّاد في زماننا هذا ولِمَ لا يُخَرِّبُون ديار الناس مع أن المسلمين يبالغون في إظهار لعنتهم وعداوتهم وحيث لم يحس بشَيْءٍ مِنْ ذلكَ عَلِمْنَا أن القولَ بإثبات الجنِّ ضعيفٌ .

قال ابن الخطيب : واعلم أن أصحابنا يجوزون أن تكون أجسادهم كثيفة مع أنا لا نراهم وأيضاً لا يبعد أن تكون أجسادهم لطيفة بمعنى عدم الكون ولكنها صُلبة بمعنى أنها لا تقبل التفرق . وأما الجُبَّائيّ فقد سلم أنها كانت كثيفة الأجسام ، وزعم أن الناس كانوا يشاهدونَهُمْ في زمن سُلَيْمَان - عليه الصلاة والسلام- ثم إنه لما توفي سليمان - عليه الصلاة والسلام- أمات الله أولئك الجنَّ والشياطين وخلق أنواعاً أخر من الجن والشياطين تكون أجسادهم في غاية الرّقَّة ، ولا يكون لهم شيء من القوة ، والموجود في زماننا من الجن والشياطين ليس إلا من هذا الجنس- والله أعلم- .