السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (38)

وقوله تعالى : { وآخرين مقرنين } أي : مشدودين { في الأصفاد } أي : القيود بجمع أيديهم إلى أعناقهم عطف على كل فهو داخل في حكم البدل ، فكأنه فصل الشياطين إلى عملة استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر ، فإن قيل : أجسامهم إما أن تكون كثيفة أو لطيفة فإن كانت كثيفة وجب أن يراها صحيح الحاسة وإن كانت لطيفة فلا تقوى على العمل ولا يمكن تقرينها ؟ أجيب : بأن أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى وتقوى على العمل ويمكن تقرينها ، أو أن المراد : تمثيل كفهم عن الشرور بالإقتران في الصفد وهو القيد ويسمى به العطاء لأنه يربط المنعم عليه وفرقوا بين فعل الصفد بمعنى القيد وفعله بمعنى العطاء فقالوا : صفده قيده وأصفده أعطاه عكس وعد وأوعد في الخير والشر في ذلك نكتة وهي : أن القيد ضيق فناسبه تقليل حروف فعله والعطاء واسع فناسبه تكثير حروف فعله ، والوعد خير وهو خفيف فناسبه تقليل حروفه ، والإيعاد شر وهو ثقيل فناسبه تكثير حروفه .