نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (43)

ولما كان التقدير : ففعل اغتسل وشرب فبرأ ظاهره وسر باطنه ، عطف عليه قوله صارفاً القول إلى مظهر الجلال تنبيهاً على عظمة الفعل : { ووهبنا } أي بما لنا من العظمة { له أهله } أي الذين كان الشيطان سلط عليهم بأن أحييناهم ، وجمع اعتباراً بالمعنى لأنه أفخم وأقرب إلى فهم المراد فقال : { ومثلهم } وأعلم باجتماع الكل في آنٍ واحد فقال : { معهم } جددناهم له وليعلم من يسمع ذلك أنه لا عبرة بشيء من الدنيا وأنها وكل ما فيها عرض زائل لا ثبات له أصلاً إلا ما كان لنا ، فإنه من الباقيات الصالحات ، فلا يغير أحد بشيء منها ولا يشتغل عنا أصلاً ، ويعلم من هذا من صدقه القدروة على البعث بمجرد تصديقه له ومن توقف فيه سأل أهل الكتاب فعلم ذلك بتصديقهم له ، ثم علل سبحانه فعله ذلك بقوله : { رحمة } ولما كان في مقام الحث على الصبر عظم الأمر بقوله : { منا } فإنه أعظم من التعبير في سورة الأنبياء بعندنا ، ليكون ذلك أحث على لزوم الصبر ، وإذا نظرت إلى ختام الآيتين عرفت تفاوت العبارتين ولاح لك أن مقام الصبر لا يساويه شيء ، لأن الطريق إليه سبحانه لا ينفك شيء منه عن صبر وقهر للنفس وجبر ، لأنها بالإجماع خلاف ما تدعو إليه الطبائع { وذكرى } أي إكراماً وتذكيراً عظيماً { لأولي الألباب * } أي الأفهام الصافية ، جعلنا ذلك لرحمته ولتذكير غيره من الموصوفين على طول الزمان ليتأسى به كل مبتلى ويرجو مثل ما رجا ، فإن رحمة الله واسعة ، وهو عند القلوب المنكسرة ، فما بينه وبين الإجابة إلا حسن الإنابة ، فمن دام إقباله عليه أغناه عن غيره :

لكل شيء إذا فارقته عوض *** وليس لله إن فارقت من عوض