ولما كان الموجب الأعظم للقسوة إنكار البعث ، وكان{[62498]} العرب يزيدون على أهل الكتاب من موجبات القسوة به ، وكان عمل العامل بما يدل{[62499]} على القسوة عمل من ينكره ، قال مهدداً لهم به مقرراً لما ابتدأ به السورة من أمر الإحياء مشيراً إلى القدرة على إحياء القلوب ممثلاً لإزالة القسوة عنها بصقل الذكر والتلاوة ترغيباً في إدامة ذلك{[62500]} : { اعلموا } أي يا من آمن بلسانه { أن الله } أي الملك الأعظم الذي له الكمال كله فلا يعجزه شيء { يحيي } أي على سبيل التجديد والاستمرار كما تشاهدونه { الأرض } اليابسة بالنبات . ولما كان هذا الوصف ثابتاً دائماً بالفعل وبالقوة أخرى ، وكان الجار هنا مقتضياً للتعميم قال : { بعد موتها } من غير ذكر الجارّ وكما أنه يحييها فيخرج بها النبات بعد أن كان قد تفتت وصار تراباً فكذلك يحيي بجمع أجسامهم{[62501]} وإفاضة الأرواح عليها كما فعل بالنبات وكما فعل بالأجسام أول مرة سواء ، لا فرق بوجه إلا بأن يقال : الابتداء أصعب في العادة ، فاحذروا سطوته واخشوا غضبه وارجوا رحمته لإحياء القلوب ، فإنه قادر على إحيائها بروح الوحي كما أحيى الأرض بروح الماء لتصير بإحيائها بالذكر خاشعة بعد قسوتها كما صارت الأرض بالماء رابية بعد خشوعها وموتها .
ولما انكشف الأمر بهذا غاية الانكشاف ، أنتج قوله : { قد بينا } أي على ما لنا من العظمة ، ولما كان العرب يفهمون من لسانهم ما لا يفهم غيرهم فكانوا يعرفون - من إعجاز القرآن بكثرة فوائده وجلالة مقاصده ودقة مسالكه وعظمة مداركه ، وجزالة تراكيبه ومتانة أساليبه وغير ذلك من شؤونه وأنواعه وفنونه ، المنتج لتحقق أنه كلام الله - {[62502]}ما لا{[62503]} يعلمه غيرهم فكأنما كانوا مخصوصين بهذا البيان ، فقدم الجارّ فقال : { لكم الآيات } أي العلامات المنيرات . ولما كان السياق للبعث ، وكان من دعائم أصول الدين ، وكان العقل كافياً في قياسه على النبات ، وكان الفعل{[62504]} الذي لا يعود إلى سعادة الآخرة ناقصاً " ، وكان العقل الذي لا ينجي صاحبه مساوياً للعدم ، قال معبراً بأداة التراخي بخلاف ما سبق في آل عمران فإنه من مصالح النفس التي اختفت ، ودواع تدعو إلى فهمها ، وتبعث إلى إتقان علمها { لعلكم تعقلون * } أي لتكونوا عند من يعلم ذلك ويسمعه من الخلائق على رجاء من حصول العقل لكم بما يتجدد لكم من فهمه على سبيل التواصل الدار بالاستمرار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.