نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

ولما بين سبحانه وتعالى أن الصدقة كالبذر الذي هو من أحسن الأرباح وأبهجها ، بين الحامل عليها ترغيباً فيها ، فقال عاطفاً بالواو ، إشارة إلى التمكن في جميع هذه الصفات : { والذين آمنوا } اي أوجدوا هذه الحقيقة العظيمة في أنفسهم { بالله } أي الملك الأعلى الذي له الجلال والإكرام { ورسله } اي كلهم لما{[62517]} لهم من النسبة إليه ، فمن كذب بشيء على أحد منهم أوعمل عمل المكذب له لم يكن مؤمناً به { أولئك } أي الذين لهم الرتب العالية والمقامات السامية { هم } أي خاصة {[62518]}لا غيرهم{[62519]} { الصديقون } أي الذين هم في غاية الصدق والتصديق لما يحق له أن يصدقه من سمعه ، وقال القشيري : الصديق من استوى ظاهره وباطنه ، ويقال : هو الذي يحمل الأمر على الأشق ولا ينزل{[62520]} إلى الرخص ، ولا يحتاج للتأويلات ، ولما كان الصديق لا يكون عريقاً في الصديقية إلا بالتأهيل لرتبة الشهادة قال تعالى : { والشهداء } معبراً بما مفرده شهيد عاطفاً بالواو إشارة إلى قوة التمكن في كل من الوصفين ، قال القشيري{[62521]} : هم الذين يشهدون بقلوبهم بواطن الوصلة ويعتكفون بأسرارهم في أوطان القربة ، وزاد المر عظماً بقوله : { عند ربهم } أي الذي أحسن إليهم بالقربة بمثل تلك الرتبة{[62522]} العالية من الشهادة لله بكل ما أرسل به رسله ، والأنبياء الماضين على أممهم والحضور في جميع الملاذ بالشهادة في سبيل الله ، قال مجاهد{[62523]} : كل مؤمن صديق وشهيد - وتلا هذه الآية { لهم } أي جميع من مضى من الموصوفين{[62524]} بالخير{[62525]} { أجرهم } أي الذي جعله ربهم لهم{[62526]} { ونورهم } أي{[62527]} الذي زادهموه من فضله برحمته ، أولئك أصحاب النعيم المقيم .

ولما ذكر أهل السعادة جامعاً لأصنافهم ، أتبعهم أهل الشقاوة لذلك قال : { والذين كفروا } أي ستروا ما دلت عليه أنوار عقولهم ومرائي فكرهم { وكذبوا بآياتنا } على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا سواء كانوا في ذلك مساترين أو مجاهرين أو عمل العالم بها عمل المكذب { أولئك } أي المبعدون {[62528]}من الخير{[62529]} خاصة{[62530]} { أصحاب الجحيم * } أي النار التي هي {[62531]}غاية في{[62532]} توقدها ، خالدون فيها من بين العصاة ، وأما غيرهم فدخولهم لها{[62533]} إذا دخلوها ليس على وجه{[62534]} الصحبة الدالة على الملازمة ، وأولئك هم الكاذبون الذين لا تقبل {[62535]}لهم شهادة{[62536]} عند ربهم ، لهم عقابهم وعليهم{[62537]} ظلامهم ، والآية من الاحتباك : ذكر الصديقية{[62538]} وما معها أولاً{[62539]} دليلاً على أضدادها ثانياً ، و{[62540]}الجحيم ثانياً دليلاً على النعيم أولاً ، وسره أن الأول أعظم في الكرامة ، والثاني أعظم في الإهانة .


[62517]:- في ظ: لأجل ما.
[62518]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62519]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62520]:- من ظ، وفي الأصل: لا يتزلزل.
[62521]:- زيد من ظ.
[62522]:-زيد من ظ.
[62523]:- راجع البحر المحيط 8/223.
[62524]:- من ظ، وفي الأصل: الموضعين.
[62525]:- زيد من ظ.
[62526]:-زيد من ظ.
[62527]:-زيد من ظ.
[62528]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62529]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62530]:- زيد من ظ.
[62531]:- من ظ، وفي الأصل: في غاية.
[62532]:- من ظ، وفي الأصل: في غاية.
[62533]:- زيد من ظ.
[62534]:-زيد من ظ.
[62535]:- من ظ، وفي الأصل: شهادتهم.
[62536]:- من ظ، وفي الأصل: شهادتهم.
[62537]:- زيد من ظ.
[62538]:- من ظ، وفي الأصل: أولا ومعها.
[62539]:- من ظ، وفي الأصل: أولا ومعها.
[62540]:- زيد في الأصل: أهل، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.