نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الملك{[1]}

وتسمى تبارك والمانعة والواقية والمنجية ، قال الولي الملوي : هذه السورة كان النبي صلى الله عليه وسلم/ يحبها لكثرة علومها ، وقال : وددت لو كانت في صدر كل مسلم . مقصودها الخضوع لله لاتصافه {[2]}بكمال الملك{[3]} الدال عليه [ تمام القدرة الدال عليه- ]{[4]} قطعا أحكام المكونات الدال عليه تمام{[5]} العلم الدال عليه مع إحكام المصنوعات علم{[6]} ما في الصدور{[7]} لينتج ذلك العلم بتحتم البعث لدينونة العباد على ما هم عليه من الصلاح والعناد كما هي عادة الملوك في دينونة رعاياهم لتكمل الحكمة ، وتتم النعمة وتظهر سورة الملك ، واسمها الملك واضح في ذلك لأن الملك محل الخضوع من كل من{[8]} يرى الملك وكذا تبارك لأن من كان كذلك كان له تمام الثبات والبقاء ، وكان له من كل شيء كمال{[9]} الخضوع والاتقاء ، وكذا اسمها المانعة والواقية والمنجية لأن الخضوع حامل على لزوم طريق السعادة ، ومن لزمها نجا مما يخاف ومنع من كل هول ووقي{[10]} كل محذور ، {[11]}و ترد السؤال عمن لازم عليها وهذا من أهم الأمور{[12]} ( بسم الله ) الذي خضعت لكمال عظمته الملوك ( الرحمان ) الذي عم بنعمة الإيجاد وتبيان محل السلوك ( الرحيم ) الذي خص أولياءه بتمام الهداية وزوال الشكوك{[13]} .

لما ختمت تلك بأن من أعرض عنه سبحانه أهلكه ولم يغن عنه أحد ، ومن أقبل عليه رفعه واستخلصه ولم يضره أحد ، وختم بأنه قوى مريم عليها السلام حتى كانت في درجة الكملة{[66623]} ورزقها الرسوخ في الإخلاص ، وكان مثل هذا لا يقدر على فعله إلا من{[66624]} لا كفوء له ، وكان من لا كفوء له أهلاً لأن{[66625]} يخلص له الأعمال ولا يلتفت إلى سواه بحال ، لأنه الملك الذي يملك الملك{[66626]} قال مثيراً للهمم إلى الاستبصار المثير للإرادة إلى رياضة تثمر جميع أبواب{[66627]} السعادة : { تبارك } أي تكبر وتقدس وتعالى وتعاظم{[66628]} وثبت ثباتاً لا مثل له مع اليمن والبركة وتواتر الإحسان والعلى .

ولما كان من له الملك قد لا يكون متمكناً من إبقائه في يده ، أو إعطاء ما يريد منه لغيره ونزعه منه متى أراد قال : { الذي بيده } أي بقدرته وتصرفه لا بقدرة غيره { الملك } أي أمر ظاهر العالم فإليه كل تدبير له وتدبير فيه وبقدرته إظهار ما يريد ، لا مانع له من شيء ، ولا كفوء له بوجه ، وهو كناية عن الإحاطة والقهر ، وذكر اليد إنما هو تصوير للإحاطة ولتمام القدرة لأنها محلها{[66629]} مع التنزه عن الجارحة{[66630]} وعن كل ما يفهم حاجة أو شبهاً بالخلق .

وقال الإمام{[66631]} أبو جعفر بن الزبير : ورود ما افتتحت به هذه السورة من التنزيه وصفات التعالي ، إنما يكون عقيب تفصيل وإيراد عجائب من صنعه سبحانه ، كورود قوله تعالى " فتبارك الله أحسن الخالقين " عقيب تفصيل التقلب{[66632]} الإنساني من لدن خلقه من سلالة من طين إلى إنشائه خلقاً آخر وكذا كل {[66633]}ما ورد{[66634]} من هذا ما لم يرد أثناء أي قد جردت للتنزيه والإعلام بصفات{[66635]} التعالي و{[66636]}الجلال .

ولما كان قد{[66637]} أوقع في آخر سورة التحريم ما فيه أعظم عبرة لمن تذكر ، وأعلى آية لمن استبصر ، من ذكر امرأتين كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين قد بعثهما الله تعالى رحمة لعباده{[66638]} واجتهدا في دعاء الخلق ، فحرم الاستنارة بنورهما والعياذ بهداهما من لم يكن أحد من جنسهما أقرب إليهما منه ولا أكثر مشاهدة لما مدا به من الآيات وعظيم المعجزات ، ومع ذلك فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً ، ثم أعقبت{[66639]} هذه العظة بما جعل في طرف منها ونقيض من حالها{[66640]} ، وهو ذكر امرأة فرعون ، التي لم يغرها مرتكب صاحبها وعظيم جرأته ، مع شدة الوصلة واستمرار الألفة ، لما سبق لها في العلم القديم من{[66641]} السعادة وعظيم الرحمة فقالت :

{ رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة }[ التحريم : 11 ] وحصل في هاتين القصتين تقديم سبب رحمة حرم التمسك به أولى الناس في ظاهر الأمر وتقديم سبب امتحان{[66642]} عصم منه أقرب الناس إلى التورط فيه{[66643]} ، ثم أعقب ذلك بقصة{[66644]} عريت عن مثل هذين السببين{[66645]} وانفصلت في{[66646]} مقدماتها عن تينك القصتين ، وهو ذكر مريم ابنة عمران ، ليعلم العاقل حيث يضع الأسباب ، وأن القلوب بيد العزيز الوهاب ، أعقب تعالى ذلك .

بقوله الحق { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } [ الملك : 1 ] وإذا كان الملك سبحانه وتعالى بيده الملك ، فهو الذي يؤتي الملك والفضل من يشاء ، وينزعه ممن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء ، كما صرحت به الآية الأخرى في آل عمران ، فقد اتضح اتصال سورة الملك بما قبلها ، ثم بنيت سورة الملك على التنبيه {[66647]}والاعتبار{[66648]} ببسط الدلائل ونصب البراهين ، حسبما يبسطه التفسير - انتهى .

ولما كان المتصرف في الملك قد لا يكون قدرته تامة ولا عامة ، قال تعالى : { وهو } أي وحده له عظمة تستولي على القلوب ، وسياسة تعم كل جلب نفع{[66649]} ودفع ضرر{[66650]} لأنه { على كل شيء } أي يمكن يشاؤه من الملك وغيره من باطنه و{[66651]}هو الملكوت وغيره{[66652]} مما وجد وما لم يوجد { قدير * } أي تام القدرة .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[11]:- ليس في م.
[12]:- ليس في م.
[13]:- في النسخ كلها: لا، وفي البخاري: ما، وقول علي رضي الله عنه نقل من البخاري فأثبتناها.
[66623]:- من ظ وم، وفي الأصل: الكلمة.
[66624]:- زيد في الأصل: كان، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66625]:- من ظ وم، وفي الأصل: بان.
[66626]:- من ظ وم، وفي الأصل: الممالك.
[66627]:-من ظ وم، وفي الأصل: الذارع أرباب.
[66628]:- زيد من ظ.
[66629]:- زيد من ظ وم.
[66630]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحاجة.
[66631]:- زيد من ظ وم.
[66632]:- من ظ وم، وفي الأصل: القلب.
[66633]:- من ظ وم، وفي الأصل: ورود.
[66634]:- من ظ وم، وفي الأصل: ورود.
[66635]:- من ظ وم، وفي الأصل: صفات.
[66636]:- زيد من ظ وم.
[66637]:- سقط من ظ وم.
[66638]:- زيد من ظ.
[66639]:- من ظ وم، وفي الأصل: أعقب.
[66640]:- من ظ وم، وفي الأصل: حالهما.
[66641]:- سقط من ظ وم.
[66642]:- من ظ وم، وفي الأصل: الامتحان.
[66643]:- زيد من ظ.
[66644]:- من ظ وم، وفي الأصل: قصة.
[66645]:- زيد من ظ وم.
[66646]:- من ظ وم، وفي الأصل: عن.
[66647]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالاعتبار.
[66648]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالاعتبار.
[66649]:- سقط من ظ وم.
[66650]:- سقط من ظ وم.
[66651]:- من ظ وم، وفي الأصل: هم الملوك وغيرهم.
[66652]:- من ظ وم، وفي الأصل: هم الملوك وغيرهم.