التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأحزاب

في هذه السورة مواضيع عديدة ومتنوعة . منها ما هو تشريعي في صدد إلغاء أحكام التبني والظهار . ومنها ماهو حربي في صدد وقعتي الأحزاب وبني قريظة .

وفيها فصل في تخيير نساء النبي ومواعظ لهن ، وفيها ما فيه استدراك لمسألة طلاق الزوجة قبل المسيس . ومنها ما له علاقة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبيوته وزواجه بمطلقة ابنه بالتبني . وفيها حملات على الكفار والمنافقين .

والمصحف الذي اعتمدناه يذكر ترتيب نزولها بعد سورة آل عمران . وقد ذكر ذلك في تراتيب عديدة أخرى . وهناك رواية تذكر أنها نزلت بعد الأنفال وأخرى بعد سورة النور . والتدقيق في مضامين فصول السورة ، و ما روي من ظروف نزولها يسوغ القول : إنها نزلت في فترات متباعدة ثم ألف بينها . ولقد احتوت مثلا فصلا في أنكحة النبي صلى الله عليه وسلم يدل فحواه ، وما روي في نزوله على أنه نزل بعد نزول الآية التي فيها تحديد لعدد الزوجات في سورة النساء التي ذكر الرواة ترتيبها بعد هذه السورة . وفيها آيات في صدد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بمطلقة ابنه بالتبني زيد ، ولابد من أن ذلك كان قبل نزول آية النساء في تحديد عدد الزوجات ؛ لأن في السورة آية تحرم على النبي صلى الله عليه وسلم الزواج بعد تحديد العدد وإقراره على زوجاته اللاتي في عصمته . ولقد ذكرت الروايات أن النبي صلى الله علي وسلم تزوج بعض زوجاته في أثناء زيارته للكعبة في السنة السابعة للهجرة ؛ حيث يسوغ هذا القول : إن تأليفها قد تأخر إلى وقت متأخر من العهد المدني . أما ترتيب المرتبين لها في النزول بعد سورة آل عمران أي كرابعة سورة فلم نر له مبررا إلا احتمال كون مطلعها قد نزل مبكرا على بعده ؛ لأن مطلعها الذي فيه تسفيه لتقاليد التبني والظهار متصل بحادث زواج النبي صلى الله عليه وسلم بمطلقة متبنيه كما نرجح . ولأن في الروايات ما قد يفيد أن هذا الحادث لم يقع مبكرا . ولم نر أي مبرر لرواية نزولها بعد الأنفال أو بعد النور .

ومهما يكن من أمر فإننا بعد تقديمنا سورة الحشر صار وضعها بعدها سائغا ؛ لأن وقعتي الأحزاب وبني قريظة قد وقعت بعد قليل من وقعة بني النضير التي نزلت فيها سورة الحشر ، وبذلك نكون قد راعينا التسلسل الزمني للسيرة النبوية .

هذا ، ولقد روي عن عائشة أم المؤمنين : " أن هذه السورة كانت تقرأ مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر إلا ما هو الآن " . وقد روى المفسر النسفي : " أن أبي بن كعب سأل أبا ذر : كم تعدون سورة الأحزاب ؟ قال ثلاثا وسبعين فقال : والذي يحلف أبي به إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول " . ولقد قرأنا منها آية الرجم ( الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) . وقد حمل النسفي- راوي الحديث- كلام أبي على أن المقصد منه هو الإشارة إلى ما نسخ من القرآن في عهد النبي ، غير أن حديث عائشة صريح بأنها تقصد أن إسقاط معظم السورة كان في زمن عثمان .

والحديثان غير موثقين ولم يردا في كتب الأحاديث الصحيحة والتوقف فيهما أولى . ومن الجدير بالذكر أن مصحف عثمان إنما نقل عن المصحف الذي حرر في زمن أبي بكر رضي الله عنهما فلم يكن أي احتمال لإسقاط معظم السورة من مصحف عثمان . ولقد كانت عائشة ذات شخصية قوية ومن مراجع القرآن والسنة ولا يعقل أن تسكت عن هذا الإسقاط لو كان واقعا ، ولا يعقل أن يهمل اعتراضها .

ومع ما في تعليل النسفي لحديث أبي بن كعب من وجاهة فإننا نشك في أن يكون قد وقع نسخ آيات أو فصول كثير من السورة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . فإن مثل هذا الحادث الخطير لا يعقل أن لا يرد فيه روايات وثيقة تحتوي بيانات وافية .

بسم الله الرحمن الرحيم

/خ1