الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ} (7)

قوله : { لاَّ يُسْمِنُ } : قال الزمخشري : " مرفوعُ المحلِّ أو مجرورهُ على وصفِ طعامٍ أو ضَريع " . قال الشيخ : " إمَّا وَصْفُه ل ضريعٍ ، فيصِحُّ ؛ لأنه مثبتٌ نفى عنه السِّمَنَ والإِغناءَ من الجوع . وأمَّا رفعُه على وصفِه لطعام فلا يَصِحُّ ؛ لأنَّ الطعامَ منفيٌّ و " يُسْمِنُ " منفيٌّ فلا يَصِحُّ تركيبُه ؛ لأنه يَصيرُ التقدير : ليس لهم طعامٌ لا يُسْمِنُ ولا يُغني مِنْ جمعٍ إلاَّ مِنْ ضريع ، فيصير المعنى : أنَّ لهم طعاماً يُسْمِنُ ويُغْني من جوعٍ إلاَّ مِنْ غيرِ الضَّريع ، كما تقول : " ليس لزيدٍ مالٌ لا يُنتفع به إلاَّ مِنْ مال عمروٍ " فمعناه : أنَّ له مالاً يُنتفع به مِنْ غيرِ مالِ عمروٍ " . قلت : وهذا لا يَرِدُ لأنه على تقدير تَسْليم القول بالمفهوم مَنَعَ منه مانعٌ وهو السياقُ ، وليس كلُّ مفهوم معمولاً به . وأمَّا المثالُ الذي نظَّر به فصحيحٌ ، لكنه لا يمنع منه مانعٌ كالسِّياق في الآيةِ الكريمة . ثم قال الشيخ : " ولو قيل : الجملةُ في موضعِ رفع صفةً للمحذوفِ المقدَّرِ في " إلاَّ مِنْ ضريعٍ " كان صحيحاً ؛ لأنه في موضعِ رفعٍ ، على أنَّه بدلٌ من اسم ليس ، أي : ليس لهم طعامٌ إلاَّ كائنٌ مِن ضَريعٍ ، أو إلاَّ طعامٌ مِنْ ضريعٍ غيرِ مُسَمِّنٍ ولا مُغْنٍ مِنْ جوعٍ ، وهذا تركيبٌ صحيحٌ ومعنى واضحٌ " .

وقال الزمخشري أيضاً : " أو أُريد أَنْ لا طعامَ لهم أصلاً ؛ لأنَّ الضَّريعَ ليس بطعامٍ للبهائمِ فضلاً عن الإِنس ؛ لأنَّ الطعامَ ما أَشْبَع أو أَسْمَنَ ، وهو عنهما بمَعْزِلٍ كما تقول : " ليس لفلانٍ ظلٌّ إلاَّ الشمسُ " تريد نَفْيَ الظلِّ على التوكيد " . قال الشيخ : " فعلى هذا يكونُ استثناءً منقطعاً ، إذ لم يندَرِجْ الكائنُ مِن الضَّريع تحت لفظِ " طعام " إذ ليس بطعامٍ ، والظاهرُ الاتصالُ فيه وفي قولِه { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 36 ] قلت : وعلى قولِ الزمخشري المتقدمِ لا يَلْزَمُ أَنْ يكونَ منقطعاً ؛ إذ المرادُ نفيُ الشيءِ بدليلِه ، أي : إن كان لهم طعامٌ فليس إلاَّ هذا الذي لا يَعُدُّه أحدٌ طعاماً ومثلُه " ليس له ظلٌّ إلاَّ الشمسُ " وقد مضى تحقيقُ هذا عند قولِه :

{ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى }

[ الدخان : 56 ] وقوله :

ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومثله كثيرٌ .