اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ} (7)

قوله : { لاَّ يُسْمِنُ } .

قال الزمخشريُّ{[59979]} : مرفوع المحل ، أو مجرور على وصف طعام ، أو ضريع » .

قال أبو حيان{[59980]} : «أما وصفه ب«ضريع » فيصح ؛ لأنه نبت نفي عنه السمن ، والإغناء من الجوع وأمَّا رفعه على وصفه الطعام ، فلا يصح ؛ لأن الطعام منفي ، والسمن منفي ، فلا يصح تركيبه ؛ لأنه يصير التقدير : ليس لهم طعام لا يسمن ، ولا يغني من جوع إلا من ضريع ، فيصير المعنى : أن لهم طعاماً يسمن ويغني من جوع من غير الضريع ، كما تقول : ليس لزيد مال لا ينتفع به إلا من مال عمرو ، فمعناه : أن له مالاً لا ينتفع به من غير مال عمرو » .

قال شهاب الدين{[59981]} : وهذا لا يرد ؛ لأنه على تقدير تسليم القول بالمفهوم ، وقد منع منه مانع ، كالسياق في الآية الكريمة .

ثم قال أبو حيَّان{[59982]} : ولو قيل : الجملة في موضع رفع صفة للمحذوف المقدر في : «إلاَّ من ضريع » ، كان صحيحاً ؛ لأنه في موضع رفع ، على أنه بدل من اسم ليس ، أي : ليس لهم طعام إلاَّ كائن من ضريع ؛ إذ لا طعام من ضريع غير مسمنٍ ، ولا مغنٍ من جوع ، وهذا تركيب صحيح ، ومعنى واضح .

وقال الزمخشريُّ{[59983]} أيضاً : «أو أريد لا طعام لهم أصلاً ؛ لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنس ؛ لأن الطعام ما أشبع ، أو أسمن ، وهو عنهما بمعزل ، كما تقول : ليس لفلان إلا ظلّ إلا الشمس ، تريد نفي الظل على التوكيد » .

قال أبو حيَّان{[59984]} : فعلى هذا يكون استثناء منقطعاً ؛ لأنه لم يندرج الكائن من الضريع تحت لفظ طعام ، إذ ليس بطعام ، والظاهر : الاتصال فيه ، وفي قوله تعالى : { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 36 ] .

قال شهابُ الدين{[59985]} : وعلى قول الزمخشري المتقدم لا يلزم أن يكون منقطعاً ، إذ المراد نفي الشيء بدليله أي : إن كان لهم طعام ، فليس إلا هذا الذي لا يعده أحد طعاماً ، ومثله : ليس له ظل إلا الشمس وقد مضى تحقيق هذا عند قوله تعالى : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى }{[59986]} [ الدخان : 56 ] وقوله : [ الطويل ]

5184- ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ *** . . . {[59987]}

ومثله كثير .

فصل في المراد بالآية

المعنى : أن طعامهم ليس من جنس طعام الإنس ؛ لأنه نوع من أنواع الشوك ، والشوك مما ترعاه الإبلُ ، وهذا النوع مما تنفر عنه الإبل ، فإذن منفعة الغذاء منتفية عنه ، وهما : إماطة الجوع ، وإفادة القوة والسمن في البدن أو يكون المعنى : ليس لهم طعام أصلاً ؛ لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنسان ؛ لأن الطعام ما أشبع أو أسمن .

قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية ، قال المشركون : إن إبلنا لتسمن بالضريع ، فنزلت : { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } وكذا فإن الإبل ترعاه رطباً ، فإذا يبس لم تأكله .

وقيل : اشتبه عليهم أمره ، فظنوه كغيره من النَّبتِ النافع ؛ لأن المضارعة المشابهة ، فوجدوه لا يسمن ولا يغني من جوع ، فيكون المعنى : أن طعامهم من ضريعٍ لا يسمن من جنس ضريعكم ، إنما هو من ضريع غير مسمن ، ولا مغن من جوع .


[59979]:ينظر: الكشاف 4/743.
[59980]:البحر المحيط 8/458.
[59981]:الدر المصون 6/513.
[59982]:البحر المحيط 8/458.
[59983]:الكشاف 4/743.
[59984]:البحر المحيط 8/458.
[59985]:الدر المصون 6/513.
[59986]:سورة الدخان أية 56.
[59987]:تقدم.