البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ} (7)

وقال الزمخشري : { لا يسمن } مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع ، يعني أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك ، والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به ، وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه ، ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه ، وهما إماطة الجوع وإفادة القوة ، والسمن في البدن ، انتهى .

فقوله : مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع .

أما جره على وصفه لضريع فيصح ، لأنه مثبت منفي عنه السمن والإغناء من الجوع .

وأما رفعه على وصفه لطعام فلا يصح ، لأن الطعام منفي ولا يسمن ، منفي فلا يصح تركيبه ، إذ يصير التقدير : ليس لهم طعام لا يسمن ولا يغني من جوع إلا من ضريع ، فيصير المعنى : أن لهم طعاماً يسمن ويغني من جوع من غير ضريع ، كما تقول : ليس لزيد مال لا ينتفع به إلا من مال عمرو ، فمعناه أن له مالاً ينتفع به من غير مال عمرو .

ولو قيل : الجملة في موضع رفع صفة للمحذوف المقدر في { إلا من ضريع } كان صحيحاً ، لأنه في موضع رفع على أنه بدل من اسم ليس ، أي ليس لهم طعام إلا كائن من ضريع ، إذ الإطعام من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع ، وهذا تركيب صحيح ومعنى واضح ، وقال الزمخشري : أو أريد أن لا طعام لهم أصلاً ، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنس ، لأن الطعام ما أشبع وأسمن ، وهو منهما بمعزل .

كما تقول : ليس لفلان ظل إلا الشمس ، تريد نفي الظل على التوكيد . انتهى .

فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً ، إذ لم يندرج الكائن من الضريع تحت لفظة طعام ، إذ ليس بطعام .

والظاهر الاتصال فيه .

وفي قوله : { ولا طعام إلا من غسلين } لأن الطعام هو ما يتطعمه الإنسان ، وهذا قدر مشترك بين المستلذ والمكروه وما لا يستلذ ولا يستكره .