البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَيَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (74)

{ أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه } هذا لطف بهم واستدعاء إلى التنصل من تلك المقالة الشنعاء بعد أن كرّر عليهم الشهادة بالكفر .

والفاء في أفلا للعطف ، حجزت بين الاستفهام ولا النافية ، والتقدير : فألا .

وعلى طريقة الزمخشري تكون قد عطفت فعلاً على فعل ، كأن التقدير : أيثبتون على الكفر فلا يتوبون ، والمعنى على التعجب من انتفاء توبتهم وعدم استغفارهم ، وهم أجدر الناس بذلك ، لأن كفرهم أقبح الكفر ، وأفضح في سوء الاعتقاد ، فتعجب من كونهم لا يتوبون من هذا الجرم العظيم .

وقال الفراء : هو استهفام معناه الأمر كقوله : { فهل أنتم منتهون } قال : إنما كان بمعنى الأمر ، لأنّ المفهوم من الصيغة طلب التوبة والحث عليها ، فمعناه : توبوا إلى الله واستغفروه من ذنبكم القولين المستحيلين انتهى .

وقال ابن عطية : رفق جل وعلا بهم بتحضيضه إياهم على التوبة وطلب المغفرة انتهى .

وما ذكروه من الحث والتحضيض على التوبة من حيث المعنى ، لا من حيث مدلول اللفظ ، لأن أفلا غير مدلول ألا التي للحض والحث .

{ والله غفور رحيم } نبه تعالى على هذين الوصفين اللذين بهما يحصل قبول التوبة والغفران للحوبة ، والمعنى : كيف لا توجد التوبة من هذا الذنب وطلب المغفرة والمسؤول منه ذلك متصف بالغفران التام والرحمة الواسعة لهؤلاء وغيرهم ؟