اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَيَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (74)

وقوله تعالى : " أفَلا يَتُوبُونَ " : تقدَّم نظيره مراراً ، وأنَّ فيه رأيين : رأيُ الجمهور : تقديمُ حرفِ العطف على الهمزة تقديراً ، ورأيُ أبي القاسِمِ : بقاؤه على حاله وحذفُ جملةٍ معطوفٍ هذا عليها ، والتقديرُ : أيثبُتُونَ على كُفرِهِمْ ، فلا يتُوبُونَ ، والاستفهامُ فيه قولان :

أظهرهما : أنه للتعجب من حالهم : كَيْفَ لا يتوبُونَ ويستغفُرونَ من هذه المقالةِ الشَّنعاء ؟

والثاني : أنه بمعنى الأمر ، وهو رأي ابن زياد الفَرَّاء ؛ كأنه قال : تُوبُوا واسْتَغْفِرُوا من هاتيْنِ المقالتيْنِ ؛ كقوله تعالى : { فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] . وكلامُ ابن عطيَّة{[15]} يُفْهِم أنه للتحضيضِ ، قال : " رَفَقَ جَلَّ وعلا بهمْ بتحضيضهِ إياهُمْ على التوبة وطلب المغفِرَةِ " ، يعني بذلك من حيث المعنى ، وإلاَّ فَفَهْمُ التحضيض من هذا اللفظ غيرُ مُسَلَّم ، وكيف يُعْقَلُ أنَّ حرف العطفِ فصلَ بين الهمزة و " لا " المفهمةِ للتحضيض ؟ [ فإنْ قلت ] :

هذا إنما يُشْكِلُ على قولنا : إنَّ " ألاَ " التحضيضية بسيطةٌ غيرُ مركَّبةٍ ، فلا يُدَّعى فيها الفصلُ بحرفِ العطف ، أما إذا قلنا : إنها همزةُ الاستفهام دَخَلَتْ على " لا " النافيةِ ، وصارَ معناهما التحضيضَ ، فلا يَضُرُّ الفصلُ بحرف العَطْف ؛ لأنه عُهِد في " لا " النافيةِ الداخلِ عليها همزةُ الاستفهام ، فالجواب : أنه لا يجوزُ مطلقاً ؛ لأنَّ ذلك المعنى قد انسلخ وحدثَ معنى آخرُ ، وهو التحضيضُ ؛ فلا يلزم من الجوازِ في الأصْلِ الجوازُ بعد حدوثِ معنى جديد .


[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.