البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كِتَٰبٞ مَّرۡقُومٞ} (9)

وكان قد قدم أنه كتاب جامع ، وهو ديوان الشر ، دوّن الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس ، وهو : { كتاب مرقوم } : مسطور بين الكتابة ، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه ، والمعنى : أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان . انتهى .

واختلفوا في سجين إذا كان مكاناً اختلافاً مضطرباً حذفنا ذكره .

والظاهر أن سجيناً هو كتاب ، ولذلك أبدل منه { كتاب مرقوم } .

وقال عكرمة : سجين عبارة عن الخسار والهوان ، كما تقول : بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الجمود .

وقال بعض اللغويين : سجين ، نونه بدل من لام ، وهو من السجيل ، فتلخص من أقوالهم أن سجين نونه أصلية ، أو بدل من لام .

وإذا كانت أصلية ، فاشتقاقه من السجن .

وقيل : هو مكان ، فيكون { كتاب مرقوم } خبر مبتدأ محذوف ، أي هو كتاب .

وعني بالضمير عوده على { كتاب الفجار } ، أو على { سجين } على حذف ، أي هو محل { كتاب مرقوم } ، و { كتاب مرقوم } تفسير له على جهة البدل أو خبر مبتدأ .

والضمير المقدر الذي هو عائد على { سجين } ، أو كناية عن الخسار والهوان ، هل هو صفة أو علم ؟ { وما أدراك ما سجين } : أي ليس ذلك مما كنت تعلم .

مرقوم : أي مثبت كالرقم لا يبلى ولا يمحى .

قال قتادة : رقم لهم : بشر ، لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد .

وقال ابن عباس والضحاك : مرقوم : مختوم بلغة حمير ، وأصل الرقم الكتابة ، ومنه قول الشاعر :

سأرقم في الماء القراح إليكم *** على بعدكم إن كان للماء راقم

وتبين من الإعراب السابق أن { كتاب مرقوم } بدل أو خبر مبتدأ محذوف .

وكان ابن عطية قد قال : إن سجيناً موضع ساجن على قول الجمهور ، وعبارة عن الخسار على قول عكرمة ، من قال : { كتاب مرقوم } .

من قال بالقول الأول في سجين ، فكتاب مرتفع عنده على خبر إن ، والظرف الذي هو { لفي سجين } ملغى .

ومن قال في سجين بالقول الثاني ، فكتاب مرقوم على خبر ابتداء مضمر التقدير هو { كتاب مرقوم } ، ويكون هذا الكتاب مفسراً لسجين ما هو . انتهى .

فقوله : والظرف الذي هو { لفي سجين } ملغى قول لا يصح ، لأن اللام التي في { لَفِى سِجّينٍ } داخلة على الخبر ، وإذا كانت داخلة على الخبر ، فلا إلغاء في الجار والمجرور ، بل هو الخبر .

ولا جائز أن تكون هذه اللام دخلت في { لفي سجين } على فضلة هي معمولة للخبر أو لصفة الخبر ، فيكون الجار والمجرور ملغى لا خبراً ، لأن كتاب موصوف بمرقوم فلا يعمل ، ولأن مرقوماً الذي هو صفة لكتاب لا يجوز أن تدخل اللام في معموله ، ولا يجوز أن يتقدم معموله على الموصوف ، فتعين بهذا أن قوله : { لفي سجين } هو خبر إن .