{ الذي جعل لكم الأرض مهاداً } : أي الله الذي جعل لكم الأرض فراشا كالمهد للصبي .
{ وجعل لكم فيها سبلا } : أي طرقا .
{ لعلكم تهتدون } : أي إلى مقاصدكم في أسفاركم .
وقوله تعالى : { الذي جعل لكم الأرض مهداً } أي فراشاً وبساطاً كمهد الطفل وهذا من كلام الله تعالى لا من كلام المشركين إذْ انتهى كلامهم عند العزيز العليم فلما وصفوه تعالى بصفتي العزة والعلم ناسب ذلك ذكر صفات جليلة أخرى تعريفاً لهم بالله سبحانه وتعالى فقال تعالى : { الذي جعل لكم الأرض مهداً } أي بساطاً وفراشاً ، وجعل لكم فيها سبلاً أي طرقاً لعلكم تهتدون إلى مقاصدكم لنيل حاجاتكم في البلاد هنا وهناك ، والذي نزل من السماء ماء بقدر وهو المطر بقدر أي بكميات موزونة على قدر الحاجة منها فلم تكن ضحلة قليلة لا تنفع ولا طوفاناً مغرقا مهلكاً .
ثم ذكر أيضا من الأدلة الدالة على كمال نعمته واقتداره ، بما خلقه لعباده من الأرض التي مهدها وجعلها قرارا للعباد ، يتمكنون فيها من كل ما يريدون .
{ وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا } أي : جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة ، تنفذون منها إلى ما وراءها من الأقطار . { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } في السير في الطرق ولا تضيعون ، ولعلكم تهتدون أيضا في الاعتبار بذلك والادكار فيه .
قوله تعالى : " الذي جعل لكم الأرض مهادا " وصف نفسه سبحانه بكمال القدرة . وهذا ابتداء إخبار منه عن نفسه ، ولو كان هذا إخبارا عن قول الكفار لقال الذي جعل لنا الأرض " مهادا " فراشا وبساطا . وقد تقدم{[13586]} . وقرأ الكوفيون " مهدا " " وجعل لكم فيها سبلا " أي معايش . وقيل طرقا ، لتسلكوا منها إلى حيث أردتم .
قوله تعالى : " لعلكم تهتدون " فتستدلون بمقدوراته على قدرته . وقيل : " لعلكم تهتدون " في أسفاركم . قاله ابن عيسى . وقيل : لعلكم تعرفون نعمة الله عليكم . قاله سعيد بن جبير . وقيل : تهتدون إلى معايشكم .
ولما كان جوابهم بغير هاتين الصفتين ودل بذكرهما على أنهما لا زمان لاعترافهم تنبيهاً لهم على موضع الحجة ، أتبعهما من كلامه دلالة على ذلك قوله التفاتاً إلى الخطاب لأنه أمكن في التقريع والتوبيخ والتشنيع وتذكيراً لهم بالإحسان الموجب للإذعان وتفصيلاً للقدرة : { الذي جعل لكم } فإنه لو كان ذلك قولهم لقالوا لنا { الأرض مهداً } أي فراشاً ، قارة ثابتة وطية ، ولو شاء لجعلها مزلزلة لا يثبت فيها شيء كما ترون من بعض الجبال ، أو جعلها مائدة لا تثبت لكونها على تيار الماء ، ولما جعل الأرض قراراً لأشباحكم جعل الأشباح قراراً لأرواحكم وطوقها حمل قرارها وقوة التصرف به في حضورها وأسفارها ليدلكم ذلك على تصرفه سبحانه في الكون وتصريفه له حيث أراد ، وأنه الظاهر الذي لا أظهر منه والباطن الذي لا أبطن منه ، قال القشيري : فإذا انتهى مدة كون النفوس على الأرض حكم الله بخرابها ، كذلك إذا فارقت الأرواح الأشباح بالكلية قضى الله بخرابها ، وأعاد الفعل تنبيهاً على تمكنه تعالى من إقامة الأسباب لتيسير الأمور الصعاب إعلاماً بأنه لا يعجزه شيء : { وجعل لكم فيها سبلاً } أي طرقاً تسلكونها بين الجبال والأودية ، ولو شاء لجعلها بحيث لا يسلك في مكان منها كما جعل بعض الجبال كذلك ، ثم ذكر العلة الغائبة في ذلك فقال : { لعلكم تهتدون } أي ليكون خلقنا لها كذلك جاعلاً حالكم حال من يرجى له الهداية إلى مقاصد الدنيا في الأسفار وغيرها ظاهراً فتتوصلون بها إلى الأقطار الشاسعة والأقاليم الواسعة للأمور الرافقة النافعة ، فإنها إذا تكرر سلوكها صار لها من الآثار الناشئة من كثرة التكرار ما يهدي كل مار وإلى المقاصد الأخرى وحكمتها باطناً إذا تأمل الفطن حكمة مسخرها وواضعها وميسرها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.