اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (10)

قوله : { الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً }{[49625]} اعلم أنه تقد تم الإخبارُ عنهم ، ثم ابتدأ دالاً على نفسه بذكر مصنوعاته فقال : { الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهاداً } ولو كان هذا من جملة كلام الكفار لقالوا : الذي جعل لنا الأرض مِهَادًا ، إلا أن قوله في أثناء الكلام : { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } لا يليق إلا بكلامه .

ونظيره من كلام الناس أن يسمع الرجل رجلاً يقول : الذي بنى هذا المسجدَ فلانٌ العَالِمُ فيقول السَّامع لهذا الكلام : الزاهدُ الكريمُ ، كأن ذل السامع يقول : أنا أعرفه بصفات حميدةٍ فوق ما تعرفه فأَزِيدُ في وصفه ، فيكون النعتان جميعاً من رجلين لرجل واحد{[49626]} .

ومعنى كون الأرض مهاداً واقعة ساكنة ، فإنها لو كانت متحركة لما أمكن الانتفاع بها في الزراعة والأبنية ، وستر عيوب الأحياء والأموات ، ولأن المهدَ موضعَ راحة الصبي . فكانت الأرض مهاداً لكثرة ما فيها من الراحات { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } وذلك أن انتفاع الناس بها إنما يكمل إذا سعوا في أقطار الأرض ، فهيأ تعالى تلك السبل ووضع عليها علامات ، ليحصل بها الانتفاع{[49627]} .

ثم قال : { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } إلى مَقَاصِدِكم في أسفاركم ، أو لتهتدوا إلى الحق في الدِّينِ{[49628]} .


[49625]:في النسختين مهادا وما ذكرته موافق للمصحف والمعهود منه.
[49626]:نقله الرازي في تفسيره 27/196.
[49627]:الرازي في تفسيره 27/196.
[49628]:الرازي في تفسيره 27/196.