تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَكۡفُرُونَ} (67)

يقول تعالى ممتنا على قريش فيما أحلهم من حرمه ، الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والبادي ، ومن دخله كان آمنا ، فهم في أمن عظيم ، والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا ، كما قال تعالى : { لإيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ . فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } [ قريش : 1 - 4 ] .

وقوله : { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ } أي : أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به ، وعبدوا معه [ غيره من ]{[22694]} الأصنام والأنداد ، و { بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } [ إبراهيم : 28 ] ، وكفروا بنبي الله وعبده ورسوله ، فكان اللائق بهم إخلاص العبادة لله ، وألا يشركوا به ، وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره ، فكذبوه وقاتلوه وأخرجوه من بين ظهرهم ؛ ولهذا سلبهم الله ما كان أنعم به عليهم ، وقتل من قتل منهم ببدر ، وصارت الدولة لله ولرسوله وللمؤمنين ، ففتح الله على رسوله مكة ، وأرغم آنافهم وأذل رقابهم .


[22694]:- زيادة من أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَكۡفُرُونَ} (67)

هذا تذكير خاص لأهل مكة وإنما خُصُّوا من بين المشركين من العرب لأن أهل مكة قدوة لجميع القبائل ؛ ألا ترى أن أكثر قبائل العرب كانوا ينتظرون ماذا يكون من أهل مكة فلما اسلم أهل مكة يومَ الفتح أقبلت وفود القبائل معلنة إسلامهم . والجملة معطوفة على جملة { فإِذَا رَكبوا فِي الفُلك دَعُوا الله } [ العنكبوت : 65 ] باعتبار ما اشتملت عليه تلك الجملة من تقريعهم على كفران نعم الله تعهالى ، ولذلك عقبت هذه الجملة بقولة { وبنعمة الله يكفرون } والاستفهام إِ ، كاري ، وجعلت نعمة أمن بلدهم كالشيء المشاهد فأنكر عليهم عدم رؤيته ، فقوله { أنا جعلنا حرماً آمناً } مفعول { يَرُوا } ومعنى هذه الآية يعلم مما تقدم عند الكلام على قوله تعالى : { وَقَالُوا إنْ نَتَّبِعْ الهُدَى معَكَ نُتخَطَّفْ من أرْضِنَا أوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حرَماً آمِناً } في سورة [ القصص : 57 ] ، وقد كان أهل مكة في بحبوحة من الأمن وكان غيرهم من القبائل حول مكة وما بعدُ منها يغزو بعضهم بعضاً ويتغاورون ويتناهون ، وأهل مكة آمنون لا يعدو عليهم أحد مع قتلهم ، فذكرهم الله هذه النعمة عليهم والباطل : هو الشرك كما تقدم عند قوله تعالى { والذين آمنوا بالباطل } في هذه السورة العنكبوت [ 52 ] . و ( نِعْمَةَ الله ) المراد بها الجنس الذي منه إنجاؤهم من الغرق وما عداه من النِعم المحسوسة المعروفة ، ومن النِعم الخفية التي لو تأملوا لأدركوا عظمها ، ومنها نعمة الرسالة المحمدية . والمضارع في المواضع الثلاثة دال على تجدّد الفعل .