تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَكۡفُرُونَ} (67)

الآية 67 وقوله تعالى : { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } قد ذكرنا في غير موضع أن الاستفهام من الله يخرج مخرج الإلزام والإيجاب ، أو يخرّج مخرج الخبر لا على حقيقة الاستفهام لأنه عالم بذاته ، يعلم ما في باطنهم وظاهرهم وما يسرون وما يعلنون بما كان ، ويكون . لا يستفهم عباده ، ولكنه يخرّج على الخبر أو على الإلزام والإيجاب .

فالخبر كأنه( {[15864]} ) يقول : قد رأوا ، وعلموا أن الله جعل الحرم مأمنا لهم ، يأمنون فيه ، وكان الناس من حولهم يتخطفون ، ويخافون .

والإلزام والإيجاب أن يقول لهم : اعلموا أن الله جعل الحرم لكم مأمنا ، تأمنون فيه [ وكان ]( {[15865]} ) الناس من حولكم على خوف يسلبون ، ويسبون ، ويقتلون .

ثم يخرّج تذكيره إياهم هذا على وجهين :

أحدهما : أن الله قد جعل لكم الحرم مأمنا تأمنون فيه لتعظيمكم حرم الله وبيته ، والناس من حولكم على خوف ، وأنتم تشاركون من حولكم في الدين ، فكيف تخافون الاختطاف والاستلاب إذا دنتم بدينه ، واتبعتم رسوله ؟ فإذ أمّنكم بكونكم في حرم الله وتعظيمكم بيته ، ودفع عنكم الاستلاب والاختطاف( {[15866]} ) ، فكيف تخافون ذلك إذا دنتم بدينه ، واتبعتم أمره ؟ بل الأمن والسعة إذا دنتم بدينه ، فأتبعتم أمره ، أكثر ، وأحق . فكأنهم إنما تركوا إتباع دينه خوفا من الاختطاف( {[15867]} ) بقولهم( {[15868]} ) : { إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } فقال لهم : { أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء } [ القصص : 57 ] .

[ والثاني : ]( {[15869]} ) : يذكر هذا لهم : أنه قد أمّنكم وصرف عنكم مع عبادتكم الأصنام وصرفكم الشكر إليها عنه كل مكروه وسوء بكونكم( {[15870]} ) في مجاورة بيته وحرمه . فإذا صرفتم العبادة إليه ، وشكرتم نعمه [ حق أن يؤمّنكم ، ويوسّع عليكم نعمه ]( {[15871]} ) ويدفع عنكم ما لم يدفع عمن حولكم ، وأنتم شركاؤهم في عبادة الأصنام واتخاذكم( {[15872]} ) إياها آلهة . على [ هذا ] ( {[15873]} ) يخرّج ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { أفبالباطل يؤمنون } يحتمل قوله : { أفبالباطل يؤمنون } /409-أ/ أي بما أوحى إليكم إبليس من الباطل يؤمنون ، وهو ما أوحى إليهم أن هؤلاء شفعاؤكم( {[15874]} ) عند الله ، وعبادتكم إياهم( {[15875]} ) تقرّبكم إلى الله زلفى( {[15876]} ) كقوله : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } الآية [ الأنعام : 121 ] . وقوله تعالى : { وبنعمة الله يكفرون } أي بما أوحى إليكم محمد من الله يكفرون ، أو أن يكون قوله : { أفبالباطل يؤمنون } أي بالشرك يؤمنون { وبنعمة الله يكفرون } أي بتوحيد الله يكفرون ، أو أن تكون النعمة ههنا ، هي القرآن ، أو ما ذكرنا ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم .


[15864]:من م، في الأصل: إنه.
[15865]:ساقطة من الأصل وم.
[15866]:من م، في الأصل: والاختلاب.
[15867]:من م، في الأصل: والاختلاب.
[15868]:في الأصل وم: لقولهم.
[15869]:في الأصل وم: أو.
[15870]:من م، في الأصل: بكونهم.
[15871]:من م، ساقطة من الأصل.
[15872]:في الأصل وم: واتخاذهم.
[15873]:من م، ساقطة من الأصل.
[15874]:وهو ما قالوا: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله}[يونس: 18].
[15875]:في الأصل وم: إياها.
[15876]:وهو ما قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3].