تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِيمُ} (28)

{ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ } أي : نتضرع إليه فاستجاب [ الله ] {[27512]} لنا وأعطانا سؤلنا ، { إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ }

وقد ورد في هذا المقام حديث ، رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده فقال : حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا سعيد بن دينار ، حدثنا الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان ، فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا ، فيتحدثان ، فيتكئ هذا ويتكئ هذا ، فيتحدثان بما كان في الدنيا ، فيقول أحدهما لصاحبه : يا فلان ، تدري أي يوم غفر الله لنا ؟ يوم كنا في موضع كذا وكذا ، فدعونا الله - عز وجل - فغفر لنا " .

ثم قال البزار : لا نعرفه يُرْوَى إلا بهذا الإسناد {[27513]} .

قلت : وسعيد بن دينار الدمشقي قال أبو حاتم : هو مجهول ، وشيخه الربيع بن صبيح قد تكلم فيه غير واحد من جهة حفظه ، وهو رجل صالح ثقة في نفسه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأوْدِيّ ، حدثنا وَكيع ، عن الأعمش ، عن أبي الضحَى ، عن مسروق ، عن عائشة ؛ أنها قرأت هذه الآية : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } فقالت : اللهم مُنَّ علينا وقنا عذاب السموم ، إنك أنت البر الرحيم . قيل للأعمش : في الصلاة ؟ قال : نعم{[27514]} .


[27512]:- (2) زيادة من أ.
[27513]:- (3) مسند البزار برقم (3553) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (10/421): "رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن دينار والربيع بن صبيح وهما ضعيفان وقد وثقا".
[27514]:- (4) ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في شعيب الإيمان كما في الدر المنثور للسيوطي (7/634).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِيمُ} (28)

و : { ندعوه } يحتمل أن يريد نعبده ، ويحسن هذا على قراءة من قرأ : «أنه » بفتح الألف . وهي قراءة نافع . بخلاف والكسائي وأبي جعفر والحسن وأبي نوفل أي من أجل أنه . وقرأ باقي السبعة والأعرج وجماعة «أنه » على القطع والاستئناف ، ويحسن مع هذه القراءة أن يكون { ندعوه } بمعنى نعبده . أو بمعنى الدعاء نفسه ، ومن رأى : { ندعوه } بمعنى الدعاء نفسه فيحتمل أن يجعل قوله : «أنه » بالفتح هو نفس الدعاء الذي كان في الدنيا . و : { البر } هو الذي يبر ويحسن{[10648]} ، ومنه قول ذي الرمة : [ البسيط ]

جاءت من البيض زعر لا لباس لها . . . إلا الدهاس وأم برة وأب{[10649]}


[10648]:في اللسان:"البَرُّ من صفات الله تعالى، وهو العطوف على عباده بِبِره ولطفه" وفيه: بَرّ يَبَرُّ ويبر بالفتح والكسر.
[10649]:البيت في اللسان، وقد ساقه شاهدا على أن"الدهسة" لون يعلوه أدنى سواد، ويكون في الرمال والمعز، والزعر: قلة ورقة وتفرق في الشعر، و"زعر" هنا: جمع أزعر وزَعِر، وفي حديث ابن مسعود أن امرأة قالت له: إني امرأة زعراء، أي قليلة الشعر، والبَرَّة: الرحيمة الكثيرة الحنان، يصف الشاعر جماعة من المعز بأنها أقبلت بلونها الأبيض وشعرها القليل المتفرق، وقد غطى لونها شيء من السواد الخفيف، ولكنها كانت تتمتع برعاية الأب والأم وما يحوطانها من الاهتمام والبر.