نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِيمُ} (28)

ولما ذكروا إشفاقهم ، بينوه مؤكدين أيضاً لمثل ذلك بقولهم : { إنا كنا } أي بما طبعنا عليه وهيئنا له . ولما كان الدعاء بمعنى فعل العبادة ، وكانت تقع في بعض الزمان ، أثبت الجار إشارة إلى ذلك مع إسقاطه قبل هذا في الدعاء{[61570]} بالقوة إشارة إلى أن التحلي بالفضائل يرضى منه باليسر ، والتخلي عن الرذائل لا بد فيه من البراءة عن كل قليل وكثير فقيل : { من قبل } أي في الدنيا { ندعوه } أي نسأله ونعبده بالفعل ، وأما خوفنا بالقوة فقد كان في كل حركة وسكنة ، ثم عللوا دعاءهم إياه مؤكدين لأن إنعامه عليهم مع تقصيرهم مما لا يكاد يفعله غيره ، فهو{[61571]} مما يعجب منه غاية العجب فقالوا : { إنه هو } أي وحده { البر } الواسع الجود الذي عطاؤه حكمة ومنعه رحمة ، لأنه لا ينقصه إعطاء{[61572]} ولا يزيده منع ، فهو يبر عبده المؤمن بما يوافق نفسه فربما بره بالنعمة وربما بره بالبؤس ، فهو يختار له من الأحوال ما هو خير له ليوسع له في العقبى ، فعلى المؤمن أن لا يتهم ربه في شيء من قضائه { الرحيم * } المكرم لمن أراد من عباده بإقامته فيما يرضاه من طاعته ، ثم بإفضاله عليه وإن قصر في خدمته .


[61570]:- من مد، وفي الأصل: بالدعاء
[61571]:-زيد من مد
[61572]:- من مد، وفي الأصل: عطاء.