وقوله : { لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ } أي : لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم ، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة .
وروى الضحاك ، عن ابن عباس ، أنه قال : في الخمر أربع خصال : السكر ، والصداع ، والقيء ، والبول . فذكر الله خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال .
وقال مجاهد ، وعِكْرِمَة ، وسعيد بن جُبَيْر ، وعطية ، وقتادة ، والسُّدِّيّ : { لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } يقول : ليس لهم فيها صداع رأس .
وقوله : { لا يصدعون عنها } ذهب أكثر المفسرين إلى أن المعنى : لا يلحق رؤوسهم الصداع الذي يلحق من خمر الدنيا ، وقال قوم معناه : لا يفرقون عنها ، بمعنى لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأسباب كما يفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق ، وهذا كما قال : «فتصدع السحاب عن المدينة » . . . الحديث{[10892]} .
وقوله : { ولا ينزفون } قال مجاهد وقتادة وابن جبير والضحاك معناه : لا تذهب عقولهم سكراً ، والنزيف : السكران ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج . . . {[10893]}
وقرأ ابن أبي إسحاق : «ولا يَنزِفون » بكسر الزاي وفتح الياء ، من نزف البئر إذا استقى ماءها ، فهي بمعنى تم خمرهم ونفذت{[10894]} ، هكذا قال أبو الفتح . وحكى أبو حاتم عن ابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش وطلحة وابن مسعود وأبي عبد الرحمن وعيسى : بضم الياء وكسر الزاي . قال معناه : لا يفني شرابهم ، والعرب تقول : أنزف الرجل عبرته ، وتقول أيضاً ، أنزف : إذا سكر ، ومنه قول الأبيرد : [ الطويل ]
لعمري لئن أنزفتمُ أو صحوتمُ . . . لبيس الندامى أنتمُ آل أبجرا{[10895]}
والتصديع : الإِصابة بالصُداع ، وهو وجع الرأس من الخُمار الناشىء عن السكر ، أي لا تصيبهم الخمر بصُداع .
ومعنى ( عنها ) مجاوزين لها ، أي لا يقع لهم صداع ناشىء عنها ، أي فهي منزهة عن ذلك بخلاف خمور الدنيا فاستعملت ( عن ) في معنى السببية .
وعُطف { ولا ينزفون } على { لا يصدعون عنها } فيقدر له متعلق دل عليه متعلق { لا يصدعون } فقد قال في سورة الصافات ( 47 ) ، { ولا هم عنها ينزفون } أي لا يعتريهم نَزْف بسببها كما يحصل للشاربين في الدنيا .
والنزْف : اختلاط العقل ، وفعله مبني للمجهول يقال : نُزف عقله مثل : عُني فهو منزوف .
وقرأ الجمهور { يُنزَفون } بفتح الزاي من أنزف الذي همزته للتعدية . وقرأه حمزة والكسائي وخلف بكسر الزاي من أنزف المهموز القاصر إذا سَكر وذهر عقله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لا يصدعون عنها} فتوجع رءوسهم {ولا ينزفون} بها...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"لا يُصَدّعُونَ عَنْها" يقول: لا تصدع رؤوسهم عن شربها فتسكر... وقوله: "وَلا يُنْزِفُونَ" اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأت عامة قرّاء المدينة والبصرة «يُنْزَفُونَ» -بفتح الزاي- ووجهوا ذلك إلى أنه لا تنزف عقولهم. وقرأته عامة قرّاء الكوفة لا "يُنْزِفُونَ" -بكسر الزاي- بمعنى: ولا ينفد شرابهم. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب فيها الصواب.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معناه لا يمنعون منها...
وفي قوله تعالى: {وَلاَ يُنزِفُونَ} أربعة أوجه:...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(لا يصدعون عنها)...وقيل: لا تتغير ألوانهم، وفي اللغة يسمى ذاهب اللون منزوفا، وذاهب العقل نزيفا، وكذلك العطشان.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أثبت نفعها وما يشوق إليها، نفى ما ينفر عنها فقال: {لا يصدعون} أي تصدعاً يوجب المجاوزة {عنها} أي بوجع في الرأس ولا تفرق لملالة، وبنى الفعلان للمجهول لأنه لم تدع حاجة إلى معرفة الفاعل...لا تذهل عقولهم عن موارد الحقائق عليهم ولا يغيبون عن مجالس المشاهدة بحال.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
والحاصل: أن جميع ما في الجنة من أنواع النعيم الموجود جنسه في الدنيا، لا يوجد في الجنة فيه آفة، كما قال تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} وذكر هنا خمر الجنة، ونفى عنها كل آفة توجد في الدنيا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(لا يصدعون عنها ولا ينزفون).. فلا هم يفرقون عنها ولا هي تنفد من بين أيديهم. فكل شيء هنا للدوام والأمان...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ومعنى (عنها) مجاوزين لها، أي لا يقع لهم صداع ناشىء عنها، أي فهي منزهة عن ذلك بخلاف خمور الدنيا فاستعملت (عن) في معنى السببية. والنزْف: اختلاط العقل، وفعله مبني للمجهول يقال: نُزف عقله مثل: عُني فهو منزوف.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ الحالة التي تنتابهم من النشوة الروحية حين تناولهم لهذا الشراب لا يمكن أن توصف، إذ تغمر كلّ وجودهم بلذّة ليس لها مثيل...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.