اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّا يُصَدَّعُونَ عَنۡهَا وَلَا يُنزِفُونَ} (19)

قوله : { لاَّ يُصَدَّعُونَ } .

يجوز أن تكون مستأنفة ، أخبر عنهم بذلك .

وأن تكون حالاً من الضمير في «عليهم » .

ومعنى { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } أي : بسببها .

قال الزمخشري{[54782]} : وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها .

والصُّدَاع ؛ هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه ، والخمر تؤثر فيه .

قال علقمةُ بن عبدة في وصف الخمر : [ البسيط ]

تَشْفِي الصُّدَاعَ ولا يُؤذيكَ حَالبُهَا *** ولا يُخالِطُهَا في الرَّأسِ تدويمُ{[54783]}

قال أبو حيان{[54784]} : هذه صفة خمر أهل الجنة ، كذا قال الشيخ أبو جعفر بن الزبير لما قرأت هذا الدِّيوان عليه .

والمعنى لا يتصدع رءوسهم من شربها ، أي : أنها لذة بلا أذى ، بخلاف شراب الدنيا .

وقيل : «لا يُصدَّعون » لا يتفرَّقُون كما يتفرق الشرب من الشراب للعوارض الدنيوية ، ومن مجيء «تصدع » بمعنى : تفرق ، قوله : فتصدع السحاب عن المدينة ، أي : تفرق .

ويرجحه قراءة مجاهد{[54785]} : «لا يَصَّدعون » بفتح الياء وتشديد الصاد .

والأصل : «لا يتصدعون » أي : لا يتفرقون ، كقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] .

وحكى الزمخشري{[54786]} قراءة ، وهي : «لا يُصدِّعُون » بضم الياء ، وتخفيف الصَّاد ، وكسر الدَّال مشددة .

قال : «أي لا يصدع بعضهم بعضاً ، لا يفرقونهم » .

قوله : { وَلاَ يُنزِفُونَ } .

تقدم الخلاف بين السبعة في «يُنْزِفُون » ، وتفسيره في «والصّافات » .

وقرأ ابن{[54787]} إسحاق : بفتح الياء وكسر الزاي من نزف البئر ، إذا استقى ما فيها .

والمعنى لا ينفدُ خمرهم .

ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

لَعَمْرِي لَئِنْ أنْزَفْتُمُ أو صَحَوْتُمُ *** لَبِئْسَ النَّدامَى كُنْتُم آل أبْجَرَا{[54788]}

وقال أبو حيان{[54789]} : «وابن أبي إسحاق وعبد الله والجحدري والأعمش وطلحة وعيسى : بضم الياء وكسر الزاي ، أي : لا يقيء شرابهم » .

قال شهاب الدين{[54790]} : وهذا عجيب منه فإنه قد تقدم في «الصَّافات » أنَّ الكوفيين يقرءون في «الواقعة » بكسر الزاي ، وقد نقل هو هذه القراءة في قصيدته .

وروى الضحاك عن ابن عباس قال : في الخمر أربع خصال : السُّكر ، والصُّداع ، والقَيء ، والبَوْل ، وقد نزّه الله - تعالى - خمر الجنة عن هذه الخصال{[54791]} .


[54782]:ينظر: الكشاف 4/460.
[54783]:تقدم.
[54784]:ينظر: البحر المحيط 8/205.
[54785]:ينظر الكشاف 4/460، والبحر المحيط 8/205، والدر المصون 6/256.
[54786]:ينظر: الكشاف 4/460.
[54787]:ينظر المحرر الوجيز 5/242، والبحر المحيط 8/205، والدر المصون 6/256.
[54788]:تقدم.
[54789]:ينظر: البحر المحيط 8/205، 206.
[54790]:ينظر: الدر المصون 6/256.
[54791]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/132) من طريق الضحاك عن ابن عباس.