تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدۡنَٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَيۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ} (42)

ثم قال : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ } أي : لا بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ، ولو ذهبت أنت ، { أَوْ {[26050]} نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ } أي : نحن قادرون على هذا وعلى هذا . ولم يقبض الله رسوله حتى أقر عينه من أعدائه ، وحكمه في نواصيهم ، وملكه ما تضمنته صياصيهم . هذا معنى قول السدي ، واختاره ابن جرير .

وقال ابن جرير{[26051]} حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن{[26052]} ثور ، عن معمر قال : تلا قتادة : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ } فقال : ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة ، ولم يُرِ الله{[26053]} نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئا يكرهه ، حتى مضى{[26054]} ، ولم يكن نبي قط إلا ورأى {[26055]} العقوبة في أمته ، إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم . قال : وذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرِيَ ما يصيب أمته من بعده ، فما رُئِي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله عز وجل . {[26056]}

وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة نحوه . ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضا .

وفي الحديث : " النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعَدُ ، وأنا أمَنَة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون " . {[26057]}


[26050]:- (1) في ت، أ: "وإما" وهو خطأ.
[26051]:- (2) في ت: "وروى هو قال".
[26052]:- (3) في ت: "أبو".
[26053]:- (4) في أ: "الله تعالى".
[26054]:- (5) في ت، م: "قبض".
[26055]:- (6) في ت، م، أ: "إلا وقد رأى".
[26056]:- (7) تفسير الطبري (25/45).
[26057]:- (8) رواه مسلم في صحيحه برقم (2531) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوۡ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدۡنَٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَيۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ} (42)

{ أو نرينك الذي وعدناهم } أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم من العذاب ، وقرأ يعقوب برواية رويس أو { نرينك } بإسكان النون وكذا { نذهبن } . { فإنا عليهم مقتدرون } لا يفوتوننا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدۡنَٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَيۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ} (42)

وقوله تعالى : { فإما نذهبن بك } الآية تتضمن وعيداً واقعاً ، وذهب جمهور العلماء إلى أن المتوعدين هم الكفار ، وأن الله تعالى أرى نبيه الذي توعدهم في بدر والفتح وغير ذلك ، وذهب الحسن وقتادة إلى أن المتوعدين هم في هذه الأمة ، وأن الله تعالى أكرم نبيه على أن ينتقم منهم بحضرته وفي حياته ، فوقعت النقمة منهم بعد أن ذهب به ، وذلك في الفتن الحادثة في صدر الإسلام مع الخوارج وغيرهم ، قال الحسن وقتادة : أكرم الله نبيه على أن يرى في أمته ما يكره كما رأى الأنبياء ، فكانت بعد ذهابه صلى الله عليه وسلم ، وقد روي حديث عن جابر بن عبد الله أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : { فإنا منهم منتقمون } فقال : بعلي بن أبي طالب{[10212]} والقول الأول من توعد الكفار أكثر .


[10212]:قال السيوطي في (الدر المنثور):"أخرج ابن مردويه من طريق محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون}:(نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي).

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوۡ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدۡنَٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَيۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ} (42)

والذهاب به هنا مستعمل للتوفي بقرينة قوله : { أو نرينك الذي وعدناهم } لأن الموت مُفارقة للأحياء فالإماتَةُ كالانتقال به ، أي تغييبه ولذلك يعبر عن الموت بالانتقال . والمعنى : فإما نتوفينك فإنا منهم منتقمون بعد وفاتك . وقد استعمل { منتقمون } للزمان المستقبل استعمالَ اسم الفاعل في الاستقبال ، وهو مجاز شائع مساو للحقيقة والقرينةُ قوله : { فإما نذهبن بك } .

والمراد ب { الذي وعدناهم } الانتقامُ المأخوذ من قوله : { فإنا منهم منتقمون } . وقد أراه الله تعالى الانتقام منهم بقتل صناديدهم يوم بدر ، قال تعالى : { يوم نبطش البطشةَ الكبرى إنّا منتقمون } [ الدخان : 16 ] والبطشة هي بطشة بدر .

وجملة { فإنا منهم منتقمون } جواب الشرط ، واقترن بالفاء لأنه جملة اسمية ، وإنما صيغ كذلك للدلالة على ثبات الانتقام ودوامه ، وأما جملة { فإنا عليهم مقتدرون } فهي دليل جواب جُملة { أو نرينك الذي وعدناهم } المعطوفة على جملة الشرط لأن اقتدار الله عليهم لايناسب أن يكون معلّقاً على إراءته الرّسول صلى الله عليه وسلم الانتقام منهم ، فالجواب محذوف لا محالة لقصد التهويل . وتقديره : أوْ إمّا نريَنّك الذي وعدناهم ، وهو الانتقام تَرَ انتقاماً لا يفُلتون منه فإنا عليهم مقتدرون ، أي مقتدرون الآن فاسم الفاعل مستَعملٌ في زمان الحال وهو حقيقتهُ .

ولا يستقيم أن تكون جملة { فإنا منهم منتقمون } دليلاً على الجواب المحذوف لأنه يصيّر : أوْ إما نرينّك الانتقام منهم فإنا منهم منتقمون . وتقديم المجرورين { منهم } و { عليهم } على متعلقيهما للاهتمام بهم في التمكن بالانتقام والاقتدار عليهم .

والوعد هنا بمعنى الوعيد بقرينة قوله قبله { فإنا منهم منتقمون } فإنّ الوعد إذا ذكر مفعوله صحّ إطلاقه على الخير والشر ، وإذا لم يذكر مفعوله انصرف للخير وأما الوعيد فهو للشر دائماً .

والاقتدار : شدة القدرة ، واقتدر أبلغ من قدر . وقد غفل صاحب « القاموس » عن التنبيه عليه .

وقد اشتمل هذان الشرطان وجواباهما على خمسة مؤكدات وهي ( ما ) الزائدة ، ونون التوكيد ، وحرف ( إنَّ ) للتوكيد ، والجملة الاسمية ، وتقديم المعمول على { منتقمون } .

وفائدة الترديد في هذا الشرط تعميم الحالين حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحال وفاته . والمقصود : وقت ذيْنك الحالين لأن المقصود توقيت الانتقام منهم .

والمعنى : أننا منتقمون منهم في الدّنيا سواء كنت حيّاً أو بعد موتك ، أي فالانتقام منهم من شأننا وليس من شأنك لأنه من أجْل إعراضهم عن أمرنا وديننا ، ولعله لدفع استبطاء النبي صلى الله عليه وسلم أو المسلمين تأخير الانتقام من المشركين ولأن المشركين كانوا يتربصون بالنبي الموت فيستريحوا من دعوته فأعلمه الله أنه لا يفلتهم من الانتقام على تقدير موته وقد حكى الله عنهم قولهم : { نترَبَّص به ريب المنون } [ الطور : 30 ] ففي هذا الوعيد إلقاء الرعب في قلوبهم لما يسمعونه .